يستقر الفقه والقضاء منذ زمن وحتى الآن على أن الرضا بدخول المنزل وتفتيشه يبيحه، إذ للشخص أن يبيح لرجال السلطة العامة تفتيش منزله ويكون التفتيش صحيحا، وإن أسفر عن دليل جريمة صح الاعتداد به، ولكن يشترط الفقه والقضاء لصحة الرضا بالتفتيش أن يكون صادرا من ذى صفة أي من رب المنزل.
ومسألة صحة القبول بالتفتيش أن يكون صادر من ذى صفة – مثل رب المنزل – وذلك لأن الدستور نص في المادة 44 منه على أن: "للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقاً لأحكام القانون"، وهو نص عام مطلق لم يرد عليه ما يخصصه أو يقيده مما مؤداه أن هذا النص الدستوري يستلزم في جميع أحوال تفتيش المساكن صدور الأمر القضائي المسبب، وذلك صوناً لحرمة المسكن التي تنبثق من الحرية الشخصية التي تتعلق بكيان الفرد وحياته الخاصة ومسكنه الذي يأوي إليه وهو موضوع سره وسكينته.
هل رضا الزوجة أو الخليلة بتفتيش منزل زوجها يعتد به؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية في منتهى الأهمية تهم عدد كبير من المواطنين وخاصة ربات البيوت تتمثل في السؤال هل رضا الزوجة بتفتيش منزل زوجها دون الرجوع له أو أخذ الإذن منه يعتد به؟ فى الوقت الذي حرص فيه الدستور على تأكيد حظر انتهاك حرمة المسكن سواء بدخوله أو بتفتيشه ما لم يصدر أمر قضائي مسبب دون أن يستثني من ذلك حالة التلبس التي لا تجيز وفقاً لنص المادة 41 من الدستور سوى القبض على الشخص وتفتيشه أينما وجد – بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية - نص المادة 44 من الدستور واضح الدلالة على عدم استثناء حالة التلبس في الضمانين اللذين أوردهما أي صدور أمر قضائي وأن يكون مسبباً، فلا يسوغ القول باستثناء حالة التلبس في حكم هذين الضمانين قياساً على إخراجها من حكمهما في حال تفتيش الشخص أو القبض عليه، لأن الاستثناء لا يقاس عليه، كما أن القياس محظور لصراحة نص المادة 44 سالفة البيان ووضوح دلالته، ولا يغير من ذلك عبارة "وفقاً لأحكام القانون" التي وردت في نهاية تلك المادة بعد إيرادها الضمانين المشار إليهما، لأن هذه العبارة لا تعنى تفويض الشارع العادي في إطلاق حالة التلبس من قيدهما والقول بغير ذلك يفضي إلى إهدار ضمانين وضعهما الشارع الدستوري وتعليق أعمالها على إرادة الشارع القانوني – وفقا لـ"فاروق".
محكمة
وهو ما لا يفيده نص المادة 44 من الدستور وإنما تشير عبارة "وفقاً لأحكام القانون" إلى الإحالة إلى القانون العادي في تحديد الجرائم التي يجوز فيها صدور الأمر بتفتيش المساكن وبيان كيفية صدوره وتسبيبه إلى غير ذلك من الإجراءات التي يتم بها هذا التفتيش - لما كان ذلك، فإن ما قضى به الدستور في المادة 44 منه من صون حرمة المسكن وإطلاق حظر دخوله أو تفتيشه إلا بأمر قضائي مسبب وفقاً لأحكام القانون يكون حكماً قابلاً للإعمال بذاته .
رأى محكمة النقض
هذا وقد سبق لمحكمة النقض أن تصدت لمثل هذه الإشكالية فى الطعن المقيد برقم 19039 لسنة 73 قضائية جلسة 2 يوليو 2010، حيث اكتفت محكمة النقض برضا الزوجة بتفتيش منزل الزوج ذلك تأسيسا علي أن الزوجة تمثل زوجها وتشاركه في حيازة منزل الزوجية حيازة أصلية ومن ثم يكون لها صفة في السماح لرجال السلطة العامة بدخول المنزل وتفتيشه، ولا تشترط محكمة النقض في الزوجية أن تكون ثابتة بوثيقة رسمية بل إنها تعتد برضا الخليلة أو الزوجة، ولكن تشترط محكمة النقض أن يكون الزوج رب المنزل غائب أما أن كان متواجد في المنزل فلا يعتد برضا الزوجة.
محكمة النقض
وهذا القضاء محل نظر إذ كون الزوجة تشارك زوجها فى حيازة المنزل لا يجعل من الزوجة صاحبة صفة على المنزل لكى يصح أن يحصل منها الرضا بالتفتيش، لأن حيازة الزوجة للمنزل عرضية ومستمدة من الحيازة الأصلية للزوج ولا يعقل تفتيش منزل صاحب الحيازة الأصلية لمجرد موافقة صاحب الحيازة العريضة، لأن التفتيش هنا يمس بحق الزوج صاحب الحيازة الأصلية فى حرمة مسكنه وقد يسفر عن دليل يدينه، فوجب أن يصدر الرضا منه لا من غيره ولو صح مذهب النقض لوجب إقرار صحة الرضا الصادر من الخادم والإبن وأى شخص يقيم فى المنزل ولو كان ضيف على حل على صاحب المنزل – الكلام لـ"فاروق".
ولا نرى مبرر للتفرقة بين وجود الزوج وغيابه إذ الوجود والغياب لا أثر له على حيازة الزوج للمنزل، إذ تغيبه لسبب عارض أو طارئ لا ينفى حيازته ليحل آخر محله بل يظل المنزل رغم ذلك فى حيازته، بل أنه لو صح هذا المذهب من أن حيازة الزوجية أصلية لوجب الاعتداد برضاها وجد الزوج أو تغيب بل حتى أن وجد الزوج واعترض على التفتيش طالما أن حيازة كلاهما أصلية وهى نتيجة على شذوذها لا تسوغ عقلا ولا عرفا، ويبدو أن هناك خلط بين الإذن بدخول المنزل والأذن بتفتيشه، فإذا كانت الحياة والإقامة المشتركة للزوجة مع زوجها تخول لها فى بعض الأحيان السماح للغير بدخول المنزل من أجل لوازم المعيشة فإن هذا المبرر ينتفى عند الإذن لرجال السلطة العامة بتفتيش المنزل بحثا عن أدلة جريمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة