الخسائر الاقتصادية لفيروس كورونا المستجد قطعا ستكون ضخمة وغير متوقعة، وستعانى منها الاقتصاديات الناشئة بصورة مباشرة، خاصة بعد سحب المستثمرين لمئات المليارات من منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة القصيرة الماضية، في ظل التحولات الدرامية التى يشهدها العالم، وما قد ينتج عنها من تداعيات صعبة.. وإذا نظرنا إلى الوضع فى مصر سنجد أن الاحتياطى النقدى الأجنبى فقد أكثر من 5 مليارات دولار نتيجة ماحدث فى الأسواق الدولية، والتحرك لتلبية احتياجات السوق المصرية من السلع الأساسية.
الأزمات الاقتصادية المتوقعة ستشهدها مختلف دول العالم، لذلك نحتاج إلى التخطيط الرشيد والتحرك المستقبلى والتفكير على مدى زمنى متوسط وطويل الأجل، ومن هذا المنطلق أناشد الحكومة ولجنة تسعير المنتجات البترولية بضرورة تثبيت أسعار المحروقات لثلاثة أشهر مقبلة، وعدم الاستجابة للضغوط التى يمارسها البعض، دون علم، تحت دعوى أن أسعار النفط تراجعت إلى النصف فى العالم كله، وبرميل البترول وصل إلى 26 دولارا بالأسواق، وفقا لآخر التحديثات اليوم الخميس، دون أن يضعوا الأمور فى سياقها وربط هذا الانخفاض بالظرف الزمنى القائم "أزمة كورونا العالمية"، التى لا نعرف لها نهاية حتى الآن ولا يمكن أن نتوقع بصورة علمية متى تنتهى.
بالفعل تراجع سعر البترول إلى أكثر من النصف عالميا، وكذلك عن السعر المرصود فى الموازنة العامة للدولة 2019 – 2020، الذى كان نحو 68 دولارا للبرميل، إلا أننا يجب أن نضع فى حساباتنا الخطط العاجلة التى وضعتها الدولة لمواجهة كورونا، فإن تحققت فوائض فى الموازنة نتيجة انخفاض أسعار الوقود يجب أن توجه فورا إلى خطة الدعم فى مواجهة كورونا، التى تشمل تأمين احتياجات البلاد من السلع الأساسية والاستراتيجية، فما نستورده من المواد البترولية بالعملة الصعبة والفائض الذى تحقق نتيجة انخفاض الأسعار يجب أن تستغله الحكومة فى مواجهة الأزمة.
يجب أن نفكر للمستقبل فى خضم الأزمة التى نعيشها مع تداعيات فيروس كورونا، فلا يمكن أن نخفض أسعار المحروقات فى ظل هذه الأزمة التي يشهدها العالم، وفى الوقت الذى نحتاج فيه إلى كل مليم لدعم خطة المواجهة، حتى لا يضيع كل ما فعلناه على مدار السنوات الماضية، أو نفقد ما كل ما تحقق من إنجاز فى ملف إصلاح السياسات المالية والنقدية.
دعونا نحسب الأمور بصورة أكثر دقة واحترافية، فلو أن لجنة التسعير الحكومية خفضت أسعار الوقود بمعدل 10% كما هو متاح لها وفق قرار تشكيلها، يكون الانخفاض فى حدود 70 أو 80 قرشا فى لتر البنزين على سبيل المثال، وهذا لن يشكل فارقا جوهريا أو عبئا على المستهلك، بينما لو تم احتساب هذا المعدل على أساس الاستهلاك المحلى للوقود فى مصر، حيث تستورد مصر شهريا بحوالى 800 مليون دولار منتجات بترولية بخلاف ما يتم إنتاجه محليا، ويصل هذا الرقم فى ثلاثة أشهر إلى 2.4 مليار جنيه، إذا احتسبنا 10% من هذا الرقم سيكون 240 مليون دولار أى ما يوازى 3.8 مليار جنيه تقريبا، بخلاف تكلفة الفرصة البديلة – الإنتاج المحلى الذى يوجه للداخل ونفقد فرصة تصديره – فنحن نستورد ما بين 32 إلى 35 % من احتياجاتنا شهريا والباقى من الإنتاج المحلى بما يعنى أن 65% من الإنتاج محلى وهذا الرقم يعادل نحو 1.6 مليار دولار شهريا أى 4.8 مليار دولار خلال 3 أشهر، وإذا تم تحول هذا الرقم بالجنيه المصرى سيكون 76.8 مليار جنيه، ونسبة 10% من هذا الرقم تعادل 7.6 مليار جنيه وبعد إضافة هذا الرقم على ما يتم توفيره من المنتجات البترولية المستوردة 3.8 مليار جنيه، سيكون إجمالى التوفير فى ثلاثة أشهر نحو 11.4 مليار جنيه، وهذا مبلغ كبير مقارنة بالملاليم التى يمكن للمواطن أن يوفرها حال خفض أسعار الوقود.
لذلك أدعو لجنة تسعير المواد البترولية إلى ضرورة النظر بعين الاعتبار إلى كل ما ذكرته من أرقام وحسابات، حتى ننجح فى الخروج من أزمة كورونا العالمية بأقل الخسائر الممكنة، فالوضع لا يحتمل المغامرة بمستقبل هذا البلد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة