عرف القاضى "نصر بن زياد " بالزهد والورع والعفة طيلة حياته، دائمًا ما كان يهب لنصرة المظلوم، وانتزاع الحق من بين أيدى الظلمة والمتجبرين، كان يحث ولى الأمر على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، تحدى الولاة حتى يأدوا حقوق المستضعفين في الأرض، كان دائم التعبد والتفقه، حرص دائما على صلاة قيام الليل وصيام النوافل.
بعد مجيء الإسلام، وبعد أن مكن الله لهذا الدين، كان لازما وحتما أن يكون لهذا الدين نظام اجتماعى عادل يحتكم إليه المجتمع، ويحتمى به من بطش الظالمين والمعتدين، فكان ثمرة الإسلام غلغل العدل فى نفوسهم فأظهروه فى أحكامهم، وفقهوا واقع الناس وملابسات الحوادث فأسهموا فى إعادة الحقوق إلى أصحابها فى أقرب وقت، فهم نماذج مضيئة لقضاة اليوم من أبناء الإسلام فى أى مكان، وعليهم الأخذ بسننهم والاقتداء بأحكامهم، ليتحقق العدل على أيديهم، ويسود الأمن والأمان للناس فى وجودهم، وتسعد الدنيا بهم.
من بين هؤلاء القضاة القاضى الجليل " نصر بن زياد بن نهيك "، وصف بالعفه والزهد والورع ، كان سعيه الأول والأخير هو إقامة العدل وإعادة الحقوق إلى أصحابها، مكث في منصب القضاء طيلة عشرة سنوات، ظل خلالها رمزا للعدل وإقامة العدالة الإلهية على الأرض بين الناس.
تولى منصب القضاء في نيسابور، أقام خلالها العدل وأعاد الحقوق إلى أصحابها، في هذه الفترة كان الناس تفر وتهرب من منصب القاضي، وذلك راجعًا لاعتقادهم وقتها، أن مشاركتهم في عمل القضاء هو مشاركة للدولة، والتي كانوا يناهضونها، إلا أن القاضي " نصر بن زياد " كسر تلك القاعدة، وتقدم لتولى منصب القاضي بنيسابور، لا حب في المنصب، ولكن حبا في العدالة وإقامة العدل بين الناس وحبا في الحق،
ذات مره تقدم رجل بشكوى إلى القائد العباسى حينها " عبد الله أبن طاهر "، ، فقال له " من خصمك، فأجابه الرجل " أنت أيها الأمير أصلحك الله"، فقال له نصر: "ما الذي تدعي على"، فرد عليه الرجل قائلا: "ضيعة لي في هراة غصبها والد الأمير وهي اليوم في يده، فقال له: "ألك بينة"، فأجابه الرجل قائلاً: "إنما تقام البينة أمام القاضي"، فاستدعى: "نصر بن زياد" عبد الله بن طاهر القاضي القائد العباسى وقتها، وقال الأمير للرجل أدع: " فادعى الرجل حجته مرة بعد مرة، والقاضي لا يلتفت إليه ولم يسمع دعواه، ففهم الأمير أنه قد امتنع عن نظر الدعوة حتى يجلس الأمير مع الرجل أمامه في مجلس الحكم متساويين، وقام الأمير من مجلسه وجلس بجانب الرجل، عندئذ قال القاضي للرجل" أدعي، فقال "أيد الله القاضي أن ضيعة لي بهراة - وذكرها بحدودها وحقوقها هي لي في يد الأمير، فقال له الأمير عبدالله بن طاهر: "أيها الرجل قد غيرت الدعوى إنما دعيت أولا على أبي، فقال له الرجل: "لم أرد أن أفضح والد الأمير في مجلس الحكم أمام القاضي، وأقول والد الأمير غصبني ضيعتي وإنها اليوم في يد الأمير، فسأل نصر بن زياد الأمير عن دعواه فأنكر فالتفت إلى الرجل وقال " ألك بينة؟ قال: "لا قال فما الذي تريد"، قال: "يمين الأمير بالله الذي لا إله إلا هو، فقام الأمير إلى مكانه وأمر الكاتب ليكتب برد الضيعة إلى الرجل.
توفي القاضي الجليل "نصر بن زياد بن نهيك" سنة 236 هجرية، بعد أن خلد ذكرى طيبة تدرس في مجال القضاء النزيه في الإسلام .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة