ورد إلى لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر السؤال التالى: ما حكم الدين فى صنّاع الأزمات وموجات الغـلاء بالاحتـكار أورفع أسعار السلع وخاصة الأدوية؟، وجاء جواب اللجنة كالآتى:
قال الله تبارك وتعالى: "إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا" الأحزاب: 72، ومعنى الآية أن الله تبارك وتعالى عرض التكالييف التي كلف بها عباده من امتثال الأوامر واجتناب النواهي على السموات والأرض والجبال فامتنعت من حملها، وحملها آدم صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم، فظلم نفسه بقبول التكليفات الشاقة جدا حال كونه لا يعلم بمشقتها التي لا تتنــــاهى؛ قال تعالى: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " النساء: 58 والآية عامة كما قال الكثير من العلماء في كل شئ في الوضوء، والجنابة والصلاة، والزكاة، والصــوم والكيل والوزن ورد الودائع، وإيصال الحقوق كاملة غيرمنقوصة إلى أربابها، وكما قال ابن عباس في قول الله تبارك وتعالى: "يا أبها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون " الأنفال 27 قال: إن الأمانات هــي: "الأعمال التي ائتمن الله تعالى العباد عليهـا، فكل أحد مؤتمن على ما كلفه الله به فهو سبحانه موقفه بين يديه ليس بينه وبينه ترجمان وسائله عن ذلك: هل حفظ أمانة الله؟ أم ضيعها ؟ فليستعد كل انسان بماذا يجيب الله تعالى إذا سأله عن ذلك لأنه لا مجال للإنكار والجدال "وليتأمل هؤلاء الذين ائتمنهم الله على حقوق العباد، فخانوها ولم يؤدوها إلى أربابها، فليتأملوا قول الله تبارك وتعالى:"... وأن الله لا يهدي كيد الخائنين" يوسف: 52، أي لا يرشد كيد من خان أمانته بل يحرمه هدايته في الدنيا ويفضحه على رؤوس الخلائق في الآخرة فالخيانة قبيحة في كل شئ".
وبناء على ما سبق فإنه لا يجوز ولا يحل شرعا بأي حال من الأحوال ما يقوم به هؤلاء - الذين ماتت ضمائرهم، وقبرت هي وإنسانيتهم إلى الأبد ولا عزاء لهم - من اصطناع وافتعال الأزمات باحتكار القوت والعلاج الضروريين للناس، وليس هناك ضرر أشد على الناس من احتكار الأدوية لأن القوت من الممكن للإنسان ان يتقوت بأقل القليل الذي تقوم به بنيته، أما العلاج فلا يمكن ذلك فيه، وخاصة أن الدولة تبذل فيه كل غال ونفيس لتسهل على أصحاب الدخول المحدودة حفظ حياتهم ومعيشتهم، حتى يعيش الناس حياة كريمة، دفع هؤلاء الجبابرة الظلمة إلى هذا الحرص على الربح الحرام، والطمع مضيعين بذلك على الناس لقمة الخبز وغيرها من علاج تصان به أرواحهم مما لا غنى للناس عنه، روى الطبراني بسنده عن رسول اللــه صلى الله عليه وسلم قال " إياكم والطمع فإنه الفقر الحاضر وإياكم وما يعتذر منه "رواه ابن حجر في الزواجر والعهدة عليه.
لو انتشر هذا الأمر وتهاونت الدولة فيه - والتي يجب بحق أن تضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء وخاصة فيما تمر به مصرنا الغالية في هذه الأيام بسبب هذا الوباء - كيف سيكون وضع وحال من هم في أشد الحاجة إلى هذه السلع والأدوية المحتكرة من قبل فئة لا نملك إلا أن نقــــــول: "حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم"؟ مما لا شك ولا جدال فيه سوف يضيق على الناس في طعامــهم، وسوف تزهق أرواحهم وسوف يقعون في أشد الحرج والكرب، بسبب هؤلاء الظلمة الذين نزعت الرحمة من قلوبهم، فتاجروا تجارة خاسرة بإذن الله في الدنيا وفي الآخرة واسمع إلى ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم من ولى من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه" وشق عليهم: أي أدخل عليهم المشقة والمضرة، والدعاء عليهم بالمشقة جزاء من جنس عملهم وهو عام لمشقة الدنيا والآخرة فليتق الله هؤلاء في خلق الله وليعاملوا الناس بما يحبوا أن يعاملوا بـــه.