نفقة الزوجية كما هو معلوم من الناحية الشرعية هى بمثابة حق شرعى للزوجة واجب على زوجها، حيث يُجيز القانون حال امتناع الزوج عن الإنفاق على زوجته بغير حق شرعي، فإن للزوجة الحق الكامل فى أن تطلب من القضاء إجبار الزوج على الإنفاق عليها، والقانون المصري يأخذ برأى الأحناف في المسألة قوله تعالى فى كتابه : "لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً" صدق الله العظيم.
بينما النفقة الزوجية من الناحية القانونية، فقد نصت المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920 المعدل بالقانون 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون 100 لسنة 1985 على: "تجب النفقة للزوجة على زوجها من تاريخ العقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه ولو حكما حتى لو كانت موسرة أو مختلفة معه في الدين"، فيما يتم تحديد النفقة الزوجية طبقا لدخل الزوج فإذا كان موظف يثبت ذلك من خلال مفردات المرتب وإذا كان يعمل عمل حر يكون ذلك من خلال تحري المباحث عن دخله.
متى يبدأ سقوط حق المطلقة خلعا فى نفقة الزوجية؟
وفى حالة الخلع يختلف البعض حول مدى استحقاق الزوجة التي تقيم دعوى بطلب التطليق خلعا لنفقة الزوجية ما بين أنها تستحق نفقة الزوجية حتى تاريخ تطليقها خلعا بحسبان أن الزوجية تظل قائمة حتى صدور حكم بالتطليق, بينما يذهب البعض إلى أن نفقتها كزوجة تقف بمجرد إيداع صحيفة دعواها بطلب التطليق خلعا بحسبان أنها تقر فى صحيفة دعواها بتنازلها عن حقوقها المالية الشرعية قبل زوجها.
فى التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية تهم ملايين الأسر بشأن نفقة الزوجة المختلعة، تتمثل فى السؤال هل يسقط حق المطلقة خلعا فى نفقة الزوجية هل يبدأ من تاريخ رفع دعوى الخلع أم من تاريخ الحكم فيها؟ ولكن هل لو تم رفض دعوى التطليق خلعا تظل نفقة الزوجية قائمة؟ وهل هى من الحقوق الذى يجاوز للزوجة التنازل عنها؟ وماذا لو كان هناك متجمد نفقة زوجية قبل الحكم بالخلع، فهل تسقط عن المختلعة؟ وما هو الحال لو قضى فى دعوى الخلع بالرفض؟ وماذا لو قضى بالتطليق خلعا حال تتداول دعوى الحبس؟ - بحسب الخبير القانوني والمحاضر بجامعة حلوان سها حماده عمران.
تباين الأحكام والنقض تتصدى للأزمة
فى البداية، اختلفت وتباينت الأحكام والآراء الفقهية والقانونية سقوط حق المطلقة خلعا فى نفقة الزوجية هل يبدأ من تاريخ رفع دعوى الخلع أم من تاريخ الحكم فيها، فقد ذهبت محكمة النقض إلى أن الزوجة التي تقيم دعوى بطلب التطليق خلعا لا تستحق نفقة الزوجية علي زوجها من تاريخ إقامتها لدعواها بطلب الخلع وليس من تاريخ الحكم بالخلع وهو ما قضت به محكمة النقض في حكم قضائي فريد من نوعه لها قالت فيه فى الطعن المقيد برقم 670 لسنة 74 ق جلسة 19 فبراير2007 – وفقا لـ"عمران":
"إذ كانت المطعون ضدها قد أقامت الدعوى بطلب التطليق على الطاعن خلعاً لبغضها الحياة الزوجية معه، وخشيتها ألا تقيم حدود الله، ولم تقدم الدليل على وجود مانع لديها من الاحتباس لحقه استيفاءً للمقاصد الشرعية من عقد الزواج، ومن ثم فإنها لا تستحق النفقة عليه من تاريخ إقامتها دعواها في 29 أبريل 2002 وتصريحها بالتنازل عن حقوقها المالية الشرعية قبله، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر بقضائه بتأييد الحكم الابتدائي القاضي بإلزام الطاعن بأن يؤدى للمطعون ضدها نفقة زوجية عن المدة من تاريخ رفع الدعوى حتى صدور الحكم بتطليقها عليه خلعاً، فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه".
ويبدو أن ذلك الحكم – الكلام لـ"عمران" - صادر وفقا لأحد نصي المادتين 249 و250 من قانون المرافعات حيث وفقا لنص المادة 249 مرافعات والتى أعطت للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض فى أى حكم انتهائي أيا كانت المحكمة التي أصدرته فصل فى نزاع خلافا لحكم أخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي، إلا أنه يشترط لذلك أن يكون قضاء الحكم المطعون فيه بالنقض قد ناقض قضاء سابقا حاز قوة الأمر المقضي فى مسألة ثار حوله النزاع بين طرفي الخصومة، واستقرت حقيقتها بينهما بالفصل فيها فى منطوق الحكم السابق أو فى أسبابه المرتبطة بالمنطوق.
مثال على الواقعة
ومثال ذلك كأن يكون الحكم المطعون فيه صدر فى دعوى تطليق للخلع وكان هناك حكم سابق بين ذات الخصوم نهائياً كان قد تعرض فى أسبابه أو منطوقة لقيمة الصداق والمهر بين الزوجين، ولكن خالفته المحكمة التى أصدرت حكم التطليق للخلع، وقدرت مقدم الصداق على خلاف هذا لحكم فيجوز في هذه الحالة الطعن بالنقض فى هذا الحكم الصادر بالتطليق للخلع استنادا للمادة 249 مرافعات، ونص المادة 250 مرافعات والتي تعطى للنائب العام أن يطعن بطريق النقض لمصلحة القانون في الأحكام الانتهائية أيا كانت المحكمة التى أصدرتها إذا كان مبنيا على مخالفة القانون أو خطا في تطبيق أو في تأويله.
مدى استحقاق الزوجة للنفقة بعد رفع دعوى الخلع؟
مما لا شك فيه أن مسألة "نفقة الزوجة" حق شرعى لها فى المقام الأول، واجب على زوجها، حيث يُجيز القانون حال امتناع الزوجة عن الإنفاق على زوجته بغير حق شرعي، فإن للزوجة الحق أن تطلب من القضاء إجبار الزوج على الإنفاق عليها، والقانون يأخذ برأى الأحناف فى أن سبب وجوب نفقة الزوجة على زوجها هو "الاحتباس لحق الزوج"، أى حبس الزوجة نفسها لرعاية شئون زوجها ودخولها فى طاعته لتحقيق أغراض الزواج، إلا أننا فى كثير من الأحيان نجد فى المنازعات التى تنظرها محاكم الأسرة حالات قيام الزوجة بإقامة دعوى "نفقة زوجية" وفى ذات الوقت تكون أقامت "دعوى تطليق خلعا"، وهو ما يكون له تأثير على دعوى نفقة الزوجية حيث أن إقامة دعوى الخلع يترتب على إقامتها أن يسقط حق الزوجة فى طلب نفقة الزوجية كما هو متعارف عليه من الناحية القانونية.
ماذا لو قضى بالتطليق خلعا حال تداول دعوى الحبس؟
ليس ذلك فقط بل إن من أول شروط قبول دعوى الخلع هو تنازل الزوجة عن كافة حقوقها المالية المترتبة على الزواج والطلاق ومن ثم التاريخ الذى يعتد فيه بعدم استحقاق نفقة الزوجية للمطلقة خلعا هو تاريخ إقامة دعوى الخلع وليس تاريخ الحكم فى دعوى الخلع، وذلك طبقا للطعن رقم 670 لسنة 74 جلسة 19 فبراير 2007، ويجب أن نفرق بين أمرين فى غاية الأهمية وهما "توقف الحق فى النفقة" و"سقوط الحق فى النفق"، حيث نرى أن نفقة الزوجية يظل أمر استحقاقها موقوفا إلى حين الفصل فى دعوى التطليق للخلع فإذا قضى فيها بالتطليق، فيسقط حق الزوجة فى نفقة الزوجية من تاريخ إقامة دعوى الخلع، أما إذا قضى فيها بالرفض بالتالي تكون علاقة الزوجية ما زالت قائمة، وبالتالي تستحق نفقة الزوجية، أما إذا تم الطلاق خلعا وكانت دعوى الحبس للامتناع عن أداء نفقة زوجية متداولة فيحق للزوج "المطلق" أن يتمسك فى "دعوى الحبس" بعدم استحقاق الزوجة - المطلقة - لنفقة الزوجية من تاريخ إقامتها دعوى الخلع إذا كان قد تم الفصل بقبول دعوى الخلع حال تداول دعوى الحبس – هكذا تقول "عمران".
4 حقوق للمختلعة لا تسقط ولا يجوز الخلع عليها
يجوز الخلع على كافة ما يتفق عليه الزوجان - ما دامت في حدود حقوق كل منهم على الآخر ويملك كل منهم التنازل عنها، ولكن لا يعني ذلك أن يشتمل على أمور مشروعة للمطلقة خلعاً فيبطل من الشروط على سبيل المثال:
1- إسقاط حضانة الصغار فهذا ليس حق للزوجة حتى تتنازل عنة ولكنه حق للصغير.
2- نفقة الصغار وكذلك حق سكناهم فهذه حقوق إن تنازلت عنها الزوجة لا تصح ويبطل الشرط، ولكن يقع الخلع صحيحا.
3- المعاملات المالية بين الزوجين ولم يشملها الخلع، كما لو كانت الزوجة مدينة للزوج أو العكس أو كانت هناك بينهم مشاركة في تجارة أو عقد من عقود البيع فالخلع لا يؤثر على الحقوق والالتزامات التي تنشئها بينهم تلك العقود، فلكل طرف الحق في المطالبة بها بموجب القواعد العامة في المطالبة، وفى حال المنازعة في هذا الشأن فيكون للقضاء بحثها دون أن يكون للخلع أثر مترتب عليها.
4- متجمد النفقة هو دَين من الديون، والدَّين لا يسقط إلاّ بالأداء أو الإبراء، والخلع المعمول به في القضاء المصري أخذًا من أقوال بعض أهل العلم يتضمن تنازلا عن المهر: مقدمه ومؤخره، وعن المتعة، وعن نفقة العدة، ولا يتضمن تنازلا عن ديون الزوج لزوجته المختلعة منه، ومنها نفقة زوجيتها التي طالبَت بها، وحكم المحكمة بمتجمد النفقة يعني أن الزوجة طالبت بها، وصارت في إطار الديون التي لا تسقط بمجرد الخلع، بل بالأداء أو بإبراء الزوجة قبل خلعها أو بعده، وعليه فلا يسقط الخلع الذى حكم القضاء للمختلعة به متجمد نفقتها، إلا أن تسقطها المختلعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة