لو أنت مريض بالنرجسية.. القانون بيقول إيه عنك؟.. التشريع قديما اعتبر المرض النفسى لا يندرج ضمن موانع العقاب.. والمادة 62 عقوبات خففت العقوبة.. والشخصية النرجسية تعانى اضطرابات نفسية.. والنقض تتصدى للأزمة

الثلاثاء، 14 يوليو 2020 02:00 ص
لو أنت مريض بالنرجسية.. القانون بيقول إيه عنك؟.. التشريع قديما اعتبر المرض النفسى لا يندرج ضمن موانع العقاب.. والمادة 62 عقوبات خففت العقوبة.. والشخصية النرجسية تعانى اضطرابات نفسية.. والنقض تتصدى للأزمة المرض النفسى لا يمنع العقاب
كتب علاء رضوان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

المسؤولية الجنائية هي صلاحية الشخص إلي أن يتحمل تبعات سلوكه الذي قد يشكل جريمة و أساس المسؤولية الجنائية لدي الفكر الجنائي الحديث حرية الإنسان في الاختيار، فقد كان في وسعه أن يكون خيرا، ولكنه تخلى عن الطريق السوي وسلك الطريق المعوج، فحق عليه العقاب، وبالتالي لا تنتفي المسؤولية عنه إلا إذا فقد الشخص قدرته على الإدراك والاختيار.

التشريع قديما أعتبر المرض النفسى لا يندرج ضمن موانع العقاب

وخير مثال ودليل على ذلك - الجنون وعاهة العقل فقد نص قانون العقوبات الصادر سنة 1937 إذ كان نص المادة 62 يجري علي أنه لا عقاب علي من يكون، فاقد الشعور والاختيار لحظة ارتكاب الجريمة لجنون أو عاهة في العقل، أما الاضطرابات النفسية أو بالأحري المرض النفسي، فكان حتي وقت قريب لا يترتب عليه تخلف المسؤولية الجنائية، إذ كان الأطباء وعلماء النفسي، يرون أنه مجرد خلل في شخصية الإنسان يجعله غير سوي، ولكن لا يفقده الإدراك والشعور تماما.   

images (1)

مدى أثر اضطرابات الشخصية النرجسية علي المسؤولية الجنائية؟

في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية تهم الملايين، تتمثل فى السؤال مدى أثر اضطرابات الشخصية النرجسية علي المسؤولية الجنائية؟ أو بمعنى أدق هل المريض بالنرجسية – النفسى - يكون سبباً في الإعفاء من الجريمة أو تخفيف العقوبة؟ حيث يتعرض الإنسان خلال فترة حياته للعديد من المواقف الصعبة التي يصعب على الفرد تحملها ولا يستطيع الوصول إلى حل لها، لذلك يدخل البعض في حالة من الاكتئاب والعزلة عن الآخرين فيصاب بمرض نفسى – بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.

 

 فى الواقع المريض النفسي يجب أن يتعامل بطريقة مختلفة عما يتم التعامل بها مع الإنسان الطبيعى، حتى القانون يتعامل مع الشخص الذي يرتكب جريمة، ويكتشف أنه مريض نفسي عكس ما يتم التعامل مع المجرم الطبيعي الذي قام بتأدية الجريمة وهو في كامل قواه العقلية، ولهذا قضت محكمة النقض بأنه الشخصية السيكوباتية مسئولة عن أفعالها وأن قول دفاع المتهم بأن المتهم كان مجبول علي هتك عرض المجني عليه في المواصلات العامة والزحام لوجود طغيان في غريزته الجنسية لا يعفيه من العقاب، إذ كان يتعين عليه وهو عليم بحالته أن يتجنب الزحام، كما قضت محكمة النقض فى الطعن المقيد برقم 12565 لسنة 87 قضائية -  بأن دفاع المتهم في صيغه عامه بأنه مريض بالاكتئاب لا يندرج ضمن موانع العقاب، إذ هذا المرض علي فرض صحته لا ينفي الشعور والاختيار – وفقا لـ"فاروق".  

19-narcissism.w710.h473.2x

الاضطرابات النفسية تفقد الإنسان الإدراك والاختيار

ولكن سرعان ما أثبت العلم الحديث أن بعض الأمراض والاضطرابات النفسية تفقد الإنسان الإدراك والاختيار، وأن أغلبها يضعف هذا وذاك، مما يحتم إعفاء صاحبها من العقاب في الحالة الأولي وتخفيف جرعة العقاب في الحالة الثانية، ولهذا صدر قانون الصحة النفسية رقم 71 لسنة 2009 معدلا للمادة 62 من قانون العقوبات، فأصبح نصها لا يسأل جنائياً الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أفقده الإدراك أو الاختيار, أو الذي يعاني من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه بها، ويظل مسئولاً جنائياً الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره, وتأخذ المحكمة في اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة، وذلك طبقا للطعن رقم 17730 لسنة 88 قضائية.

ومن الأمراض والاضطرابات النفسية الخطرة التي بدأت في الانتشار في الوقت الحاضر اضطرابات الشخصية النرجسية، إذ احتار الأطباء وعلماء النفس حولها سواء من حيث علاجها أو مدي تمتع تلك الشخصية بحرية الإدراك والاختيار، مما يلقي صعوبة علي عاتق القضاء في تقرير العقاب علي جرائم هذه الشخصية أو رفعه أو تخفيفه، إذ يجب علي القضاء في هذه الحالة استطلاع رأي الخبراء وهم أهل الطب، طبقا للطعن رقم 1181 لسنة 87 قضائية، وهو ما يقتضي التعريف بتلك الشخصية في عجالة لبيان مدي مسؤوليتها.

من هو الشخص النرجسى؟

والنرجسية بوجه عام تعني حب النفس أو الأنانية، وهو اضطراب في الشخصية حيث تتميز بالغرور، والتعالي، والشعور بالأهمية والعظمة ومحاولة الكسب على حساب الآخرين، وهذه الكلمة نسبة إلى أسطورة يونانية، ورد فيها أن "نركسوس" كان آية في الجمال، وقد عشق نفسه حتى الموت عندما رأى وجهه في الماء، والصفة الأساسية للشخصية النرجسية الأنانية، وحب التملك والغرور المطلق والغش والتدليس، فالنرجسي عاشق لنفسه، ويرى أنه الأجمل ويرى الناس أقل منه جمالا، ولذلك فهو يُبيح لنفسه استغلال الناس والسخرية منهم، ويهتم كثيرا بمظهره، وأناقته، ويدقق كثيرا في اختيار ملابسه ويفتعل التدين والخلق الرفيع ويعنيه كيف يبدو في عيون الآخرين، وكيف يثير إعجابهم بغيه الإيقاع بهم بين براثنه فهو استغلالي، ابتزازي وصولي يستفيد من مزايا الآخرين وظروفهم في تحقيق مصالحة الشخصية والاستماتة من أجل الحصول على المناصب لا لتحقيق ذاته، وإنما لتحقيق أهدافه الشخصية. 

Michelangelo_Caravaggio_065

وهو شخص منعدم المشاعر والأحاسيس لا يعترف بخطئه، ويصدر آفاته وعيوبه للآخرين ومناهض لقيم المجتمع ومبادئه حاقد علي كل من حوله، وفي الوقت ذاته يشعر في قرارة نفسه بالخزي والعار والضعف والوهن، ولكنه مخادع مراوغ لا يعترف بمرضه، ويضلل حتي الأطباء ولا يقبل النقد أو المراجعة، ويثور في وجه من يكتشفه بما يسمي بالانفعال النرجس، ولهذا كان أكثر جرائم الشخصية النرجسية النصب والاحتيال والإهانة والقذف والسب، وأيضا الإيذاء البدني الذي قد يصل إلي القتل لحظة الغضب النرجسي أو ما يسميه العلماء ثورة الغضب النرجسي، ولقد وصف الأطباء وعلماء النفسي تلك الشخصية بالمعقدة سواء في علاقة الفرد مع ذاته أو مع الآخرين، وتمثل إحدى سمات الشخصيات الثلاثة في ثالوث الظلام إلى جانب كل من المكيافيلية والاعتلال النفسي.  

الشخصية النرجسية تعاني اضطرابات نفسية تجاوز المرض النفسي

ومن العرض السابق يمكن القول بأن الشخصية النرجسية تعاني اضطرابات نفسية تجاوز المرض النفسي، وبالتالي فهي شخصية جديرة بتخفيف العقاب باعتبار أن هذا المرض ظرف قضائي مخفف، وملاك الأمر فيه إلي قاضي الموضوع، ولكن نعتقد أن هذا العقاب لابد أن يرتفع في حالات الغضب أو الثورة النرجسية، وبالأخص حينما يستفذ النرجسي بكشف النقاب عنه ومواجهته بمرضه وانتقاده لاسيما أن كان النقد لاذع، إذ يدخل النرجسي في ثورة عارمة تفقده الإدراك والاختيار، فلا يمييز بين المجرم والمباح، ويندفع نحو الإيذاء بل القتل والتحطيم والإتلاف، ولو كان من كاشفه وانتقده أباه أو أمه أو أبنه، وعلي العموم فإن قضاء النقض مستقر علي أنه لا يكفي أن يدفع المتهم أنه مصاب بمرض نفسي لإعمال أحكام المادة 62 من قانون العقوبات، وإنما يلزم أن يحدد المرض ويذكر علاماته ودلالته ويطلب من المحكمة تحقيقه عن طريق المختص فنيا، وإلا كان دفاع غير جدي لا تثريب علي محكمة الموضوع أن التفتت عنه إيرادا وردا – هكذا يقول "فاروق" .  

رأى محكمة النقض فى الأزمة   

هذا وقد سبق لمحكمة النقض لمثل هذه الواقعة فى الطعن المقيد برقم 27158 لسنة 86 قضائية حيث قالت فى حيثيات الحكم إذا كان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن فى قوله: "وحيث إنه وعن الدفع بامتناع عقاب المتهم عملاً بنص المادة 62/1 عقوبات فإنه مردود إذ خلت الأوراق، مما يفيد على وجه قاطع أن المتهم كان يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أفقده الإدراك أو الاختيار ومن ثم تقضى المحكمة برفض هذا الدفع".

وأضافت المحكمة، "لما كان ذلك، وكان النص فى المادة 62 من قانون العقوبات المستبدلة بالقانون 71 لسنة 2009 بإصدار قانون رعاية المريض النفسى وتعديل بعض أحكام قانون العقوبات قد نص على أنه لا يسأل جنائياً الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أفقده الإدراك أو الاختيار أو الذى يعانى من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو عن غير علم منه، ويظل مسؤولاً جنائياً الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره، وتأخذ المحكمة فى اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة". 

download

وإذا كان المرض النفسى الذى يعانى منه المتهم قد تسبب فى فقده الإدراك وقت ارتكاب الجريمة، فأنه قد أعفى عن الجريمة، أما إذا قد أثر على نقص فى الإدراك أو الاختيار لدى المتهم فأنه يصبح مسؤولا، ويمكن أن يجعل العقوبة مخففة، كما أن تقدير حالة المريض النفسية والعقلية أمر ضرورى، ويجب أن يعين خبير للبحث فى هذا الأمر لكي يتم الإثبات إذا كان صحيح تعرض المتهم لحالة مرضية نفسية أو نفى ذلك، وذلك لسلامة الحكم على المتهم، وكان ما رد به الحكم على دفاع الطاعن فى هذا الشأن – على السياق المتقدم – لا يسوغ به اطراحه، إذ لا يصح اطراحه بخلو الأوراق، مما يفيد على وجه قاطع أن المتهم كان يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي لأن إبداءه يتضمن الدعوة إلى تحقيقه، مما يصم الحكم – فى الرد على هذا الدفاع بالقصور في التسبيب والفساد فى الاستدلال .   

 

1
1

 

2
2

 

3
 

 

 
 






مشاركة



الموضوعات المتعلقة




الرجوع الى أعلى الصفحة