"مزقوا إربا المنشقين والخونة وحثالة البشر"... هتافات رددها متظاهرون ملثمون يقفون فى صفوف مرتبة خلال مسيرة حاشدة، الشهر الماضي، فى نامبو جنوب غرب كوريا الشمالية.
وبحسب صحيفة "العين الإماراتية"، فرغم أن المظاهرات التى تنظمها الحكومة ليست بأمر غير مألوف فى الشمال، فإن إحدى السمات البارزة لهذه التجمعات هى أنها تردد لغة الخطاب الصارم لشقيقة كيم جونج أون الزعيم الكورى الشمالي، كيم يو جونج التى ترتقى إلى مراتب أعلى.
وأشارت "الإذاعة الوطنية العامة" (إن بى آر) الأمريكية إلى أن مظاهرات مماثلة نظمت فى جميع أنحاء البلاد الشهر الماضي، بهدف إثارة الفزع فى كوريا الجنوبية للسماح لمنشقين بإرسال منشورات دعائية، غالبًا ما تعلق على البالونات، عبر الحدود لانتقاد كيم جونج أون.
شقيقة كيم جونج أون.. مهندسة قمة الكوريتين التاريخية
وقالت إن كيم يو جونج التى تبلغ من العمر 32 عاما، مسؤولة على ما يبدو عن الحملة ضد المنشقين ومنشوراتهم، وهى النائب الأول لمدير اللجنة المركزية لحزب "العمال" الكوري.
ولفتت إلى أن نجمها السياسى ارتفع بشكل مطرد منذ تولى شقيقها السلطة فى عام 2011، ما أثار تكهنات بأنها قد تصبح يومًا أول حاكمة فى البلاد.
لكن رغم وجود أسباب منطقية لصعودها الأخير، كما يقول محللون، فإن الطابع الذكورى التقليدى للمجتمع الكورى الشمالى سيمنعها على الأرجح من التقدم فى المناصب العليا.
وفى هذا السياق، يقول كيم سيونج تشول، وهو منشق كورى يدير "راديو إصلاح كوريا الشمالية" ومقره سيول، ويبث الأخبار إلى الشمال: "لقد تحولت من مجرد وكيل شقيقها إلى مساعد لشؤون البروتوكول، ثم عينيه وأذنيه، حتى أصبحت معاقب".
وكانت كيم يو جونج لا تزال فى العشرينات من عمرها فى عام 2011 عندما توفى والدها، كيم جونج إيل، وتولى شقيقها السلطة.
جاء أول ظهور لها على الساحة الدولية فى عام 2018، عندما عملت كمبعوث خاص فى دورة الألعاب الأولمبية الشتوية فى بيونج تشانج، بكوريا الجنوبية، والتقت برئيس الدولة، مون جاى إن.
فى أحدث بيان لها هذا الشهر، أظهرت أنها لا تزال تشارك فى العلاقات مع الولايات المتحدة، وأعربت عن شكها فى عقد قمة بين كيم جونج أون والرئيس دونالد ترامب هذا العام. لكنها تركت الباب مفتوحًا للمحادثات وأصرت، "ليس لدينا أدنى نية لتشكيل تهديد للولايات المتحدة".
فى بعض المناسبات، مثل قمم كيم ترامب فى سنغافورة وفيتنام، يبدو أنها كانت تعمل كمساعد شخصى لأخيها، تمسك بأقلامه ومنافض السجائر.
وفى مناسبات أخرى، شوهدت تراقب الأحداث العامة لأخيها من بعيد، وأشارت تقارير إلى أنها تمكنت من إدارة صورة شقيقها العامة كمسؤولة عن الدعاية. وبعد قمة فيتنام الفاشلة فى العام الماضي، توارى كيم عن الأنظار لمدة شهرين تقريبًا.
لكن خطابها أصبح أشد صرامة فى الآونة الأخيرة، وفى بيان صدر الشهر الماضي، هددت بتدمير مكتب الاتصال المشترك بين الكوريتين فى كايسونج بكوريا الشمالية، وهو رمز للعلاقات مع الجنوب. وبعد أيام، تم تفجير المبنى.
وفى بيان آخر، هاجمت المنشقين الكوريين الشماليين باعتبارهم "حثالة بشرية أدنى من الحيوانات البرية، خانوا وطنهم". ووصفت مون، الرئيس الكورى الجنوبي، بأنه رجل "مجنون" وضع رقبته فى "مشنقة الخضوع الموالية للولايات المتحدة".
واعتبر كيم سيونج تشول أن مثل هذه اللغة تشير إلى أنه على الرغم من ارتقاء وضعها السياسي، لكن فطنتها ونضجها السياسيين لم يتطورا.
وقال إن جهود كيم يو جونج لتفكيك العلاقات الأكثر دفئًا مع سيول لا يمكن أن تحظى بشعبية كبيرة فى الداخل، وبعض النخب الكورية الشمالية كانت تأمل أن يساهم الانفراج فى جلب الاستثمارات الكورية الجنوبية التى تمس الحاجة إليها، ويؤدى إلى علاقات أفضل مع واشنطن وتخفيف العقوبات.
وأضاف كيم سيونج تشول: "بالنسبة لأولئك فى كوريا الشمالية الذين ما زال لديهم موقف إيجابى تجاه التعاون مع كوريا الجنوبية، فإن (تصرفات كيم يو جونج) تمثل خيبة أمل كبيرة".
صعود بحكم الأمر الواقع
صعود الشقيقة الصغرى إلى ما يعتبره الكثيرون الوقت الراهن، المرتبة الثانية بحكم الواقع فى نظام كيم له سابقة تاريخية ومنطق سياسى وراءه.
وعن هذا يقول البروفيسور أندريه لانكوف، الخبير فى شؤون كوريا الشمالية فى جامعة كوكمين فى سيول: "لا يوجد شيء غير عادى حول، على سبيل المثال، أن تكون شقيقة القائد الحالى الثانية فى التسلسل القيادي. إنه فى الواقع تقليد راسخ جدًا لأسرة كيم".
ونوه إلى أن والد الزعيم الحالي، كيم جونج إيل، ساعدته شقيقته خلال فترة حكمه فى التسعينيات.
ويبدو أن الدور الجديد الذى لعبته كيم يو جونج كان ضروريا بسبب اختفاء شقيقها هذا الربيع، كما يقول لانكوف، على ما يبدو بسبب مرض غير معروف.
وتشير أحد التقديرات إلى أن كيم لم يظهر فى المناسبات العامة سوى 7 مرات منذ أبريل نيسان حتى يونيو حزيران، مقارنة بـ 46 فى نفس الفترة من العام الماضي.
وأضاف لانكوف: "هذا يجعل من الضرورى له أن يكون له نائب موثوق به. وهذا الشخص يجب أن يأتى من الأسرة الحاكمة، إذا شئت، وفى العشيرة الحاكمة، لديهم الآن نقص فى البالغين".
أسرة اشتراكية كبيرة
تُعرف عشيرة كيم الحاكمة فى كوريا الشمالية باسم "سلالة جبل بايكتو"، فى إشارة إلى الجبل على حدود البلاد مع الصين حيث تدعى كوريا الشمالية أن كيم يونج إيل ولد، وقاتل والده اليابانيين.
يقول لانكوف: "فى كثير من النواحي، تشبه كوريا الشمالية المجتمعات الأوروبية فى أواخر العصور الوسطى وأوائل العصر الحديث. إنها فى الأساس ملكية، حيث يثقون فى أفراد الأسرة أكثر من النخب الأخرى.
وأوضح أن هذا النسل هو ما يسمح لكيم يو جونج بالارتقاء إلى مستوى عالٍ فى السياسة الكورية الشمالية، على الرغم من التحيز ضد النساء فى السلطة فى بلد تتلخص فيه المواقف التقليدية فى القول الكورى "إذا صاحت الدجاجة، فسوف تدمر الأسرة".
وهذا القول المستخدم فى الكوريتين يشير إلى أنه عندما تتحدث المرأة أو تتولى زمام الأمور، لن يأتى أى خير من هذا الأمر.
وفى هذا الصدد، تقول ليم سون هي، وهى خبيرة فى شؤون المرأة فى كوريا الشمالية، تقاعدت الآن من المعهد الكورى للتوحيد الوطني، وهو مركز أبحاث حكومى فى سيول: "النظام الكورى الشمالى أبوى بشكل أساسي".
وأضافت أن "الحكومة تخبر الناس أنهم يشكلون أسرة اشتراكية كبيرة. ووالد هذه العائلة المجازية هو كيم جونج أون. والأم هى حزب العمال الحاكم. والأطفال هم الشعب الكورى الشمالي. وسلطة الأب بلا منازع".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة