أعلنت لجنة المخابرات والأمن بالبرلمان البريطانى تقريرها النهائى حول التدخلات الروسية فى المملكة المتحدة، الذى انتظره الكثير ليتم الإفراج عنه، وبحسب وسائل إعلام بريطانية يتضمن معلومات حول محاولات روسيا التدخل والتأثير على السياسات البريطانية، حيث هاجمت اللجنة الحكومة ووكالات المخابرات فى إعداد أو إجراء أى تقييم مناسب لمحاولات الكرملين للتدخل فى استفتاء خروج بريطانيا عام 2016.
وذكر التقرير الصادر فى 50 صفحة عن لجنة المخابرات والأمن بالبرلمان، أن الوزراء غضوا الطرف عن مزاعم التعطيل الروسي. وقال: "إن الحكومة لم تر أو تسعى للحصول على أدلة على التدخل الناجح فى العمليات الديمقراطية فى المملكة المتحدة"، فى ذلك الوقت، وأوضحت أنه لم يتم بذل أى جهد جاد للقيام بذلك.
وقالت اللجنة التى تدقق فى عمل وكالات الاستخبارات البريطانية: "لم يتم تزويدنا بأى تقييم بعد الاستفتاء لمحاولات التدخل الروسية". وقارن استجابة الحكومة البريطانية مع تلك التهديدات بما فعلته الولايات المتحدة، بشأن ملف التدخلات الروسية.
وقال التقرير: "إن هذا الوضع يتناقض بشكل صارخ مع تعامل الولايات المتحدة مع مزاعم التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية لعام 2016، حيث تم إصدار تقييم مجتمع الاستخبارات فى غضون شهرين من التصويت، مع نشر ملخص غير مصنف".
وقال أعضاء اللجنة إنهم لا يستطيعون الاستنتاج بشكل قاطع ما إذا كان الكرملين قد تدخل أو لم يتدخل بنجاح فى الاستفتاء الذى أدى إلى انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى، لأنه لم يتم بذل أى جهد لمعرفة ذلك.
وذكر التقرير الذى صدر يوم الثلاثاء أنه "حتى لو كان استنتاج أى تقييم من هذا القبيل هو أنه كان هناك قدر ضئيل من التدخل، فإن ذلك سيشكل مع ذلك تطمينًا مفيدًا للجمهور بأن العمليات الديمقراطية فى المملكة المتحدة ظلت آمنة نسبيًا".
التقرير، الذى أعدته لجنة مشتركة من النواب والنظراء، هو نتاج عمل لمدة 18 شهرًا يتضمن أدلة مأخوذة من وكالات المخابرات فى المملكة المتحدة وخبراء مستقلين، على الرغم من أن نسخته التى تأخرت طويلاً تم تنقيحها بشكل كبير، إلا أن استنتاجاتها وهى عدم إيلاء اهتمام كاف للتسلل الروسى فى السياسة البريطانية والحياة العامة كان واضحًا.
وأشار أعضاء اللجنة إلى أن الدراسات المتاحة للجمهور قد أشارت إلى "غلبة القصص المؤيدة للخروج من الاتحاد الأوروبى أو المناهضة للاتحاد الأوروبى على قنوات روسيا اليوم وقنوات سبوتنيك التليفزيونية فى وقت التصويت، واستخدام الروبوتات والمتصيدون على تويتر، كدليل على محاولات روسيا للتأثير على العملية السياسية بشكل مشبوه.
وكان هناك "تعليق مفتوح المصدر موثوق" أن روسيا قامت بحملات التأثير" المتعلقة باستفتاء الاستقلال الاسكتلندى 2014، ولكن على الرغم من ذلك لم يتم بذل أى جهد للنظر فى تهديد الكرملين للديمقراطية البريطانية حتى بعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي.
وتحدث التقرير عن الأزمة المماثلة التى شهدتها الولايات المتحدة، وقال: "فقط بعد أن اخترقت روسيا رسائل البريد الإلكترونى للحزب الديمقراطى الأمريكى فى يوليو 2016، يبدو أنه تم إجراء أى تقييم وتشير الوثيقة إلى إجراء نوع من التمرين بعد الانتخابات العامة لعام 2017".
وأضاف التقرير: "لو قامت الجهات ذات الصلة فى مجتمع المخابرات بتقييم مماثل للتهديدات قبل الاستفتاء، فمن غير المعقول أنهم ما كانوا ليتوصلوا إلى نفس النتيجة التى توصلوا إليها بشأن النية الروسية، والتى ربما دفعتهم بعد ذلك إلى اتخاذ إجراءات لحماية العملية".
بدورها، علقت حكومة رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، قائلة: "لم نر أى دليل على تدخل فى استفتاء الاتحاد الأوروبي"، وأضافت أنه لا توجد حاجة لبدء تحقيق لأن وكالات المخابرات البريطانية قامت "بتقييمات منتظمة" للتهديد الروسى.
من جانبه، رفض ستيوارت هوزى وهو عضو البرلمان عن الحزب الوطنى الاسكتلندى الذى كان واحدًا من عضوين فقط فى اللجنة التى صاغت التقرير، التبريرات الحكومية من بوريس جونسون رئيس الوزراء الحالى وتريزا ماى رئيسة الوزراء السابقة للنظر فى تدخل الكرملين فى أعقاب تصويت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، معتبرا أنهما استهانا بتلك التهديدات.
وقال: "لم يرغب أحد فى التحقيق بهذه المشكلة"، مضيفًا أنه كان غاضبا لأن التقرير لم ينشر قبل انتخابات ديسمبر الماضى، وإن داونينج ستريت "ابعدت الكرة" عن التهديد الروسى واستخفت بالرد المطلوب وما زالت الحكومة تحاول اللحاق بالركب.
وقالت ليزا ناندى، وزيرة خارجية الظل، إنه من غير العادى أن يتخذ رئيس الوزراء القرار السياسى فى أكتوبر الماضى قبل الانتخابات العامة لمنع نشر هذا التقرير الهام الذى يمر بشكل منهجى بالتهديد الذى تشكله روسيا على الأمن القومي.
ولاحظت اللجنة أن بريطانيا أصبحت وجهة لأقلية روسية وأموالهم غير المشروعة، وخلصت إلى أنها أصبحت قوة فاسدة فى الحياة العامة البريطانية من خلال علاقاتها.
وقال التقرير إنه تم تحديد العديد من أعضاء النخبة الروسية المرتبطين ارتباطًا وثيقًا بـالرئيس فلاديمير بوتين على أنهم منخرطون فى منظمات خيرية أو سياسية فى المملكة المتحدة، بعد تبرعهم للأحزاب مع ملف شخصى عام يضعهم فيها لمساعدة روسيا.
كما ورد تحذيرات من أن عددًا من أعضاء مجلس النواب لهم مصالح تجارية مرتبطة بروسيا أو يعملوا مباشرة مع الشركات الروسية الكبرى المرتبطة بالكرملين، ومرة أخرى لم تذكر أسماء.
وطالب التقرير بضرورة تشديد الإبلاغ عن التبرعات وتسجيل أى مدفوعات خارجية تزيد عن 100 جنيه استرلينى على النحو المطلوب للنواب وإدخال تشريع على غرار الولايات المتحدة يشترط تسجيل العملاء الأجانب أو جماعات الضغط ومراقبتهم.
ونقلت صحيفة الجارديان البريطانية عم مارينا ليتفينينكو، التى قتل زوجها ألكسندر فى عام 2006 فى لندن على أيدى عملاء روس، قولها إنها "مسرورة للغاية" من التقرير وذكرها القلة الروس الذين قدموا تبرعات سياسية.
وأوضحت أن التقرير أظهر أن هناك أدلة كافية على التهديد الذى يشكله الكرملين للمملكة المتحدة، قائلة: "ليس لدى الحكومة أى عذر لكونها ساذجة.. بعد ما حدث لزوجى فى عام 2006 ولسيرجى سكريبال فى عام 2018 لا توجد أعذار.. كما نرى هناك الكثير من الوفيات المشبوهة".
وزعم الوزراء منذ فترة طويلة أنه لا توجد أدلة على تدخل الكرملين فى السياسة البريطانية لكنهم تخلوا عن هذا الموقف الأسبوع الماضى عندما ألقى وزير الخارجية دومينيك راب باللوم على "الممثلين الروس"، لنشره ملفًا تم الحصول عليه بشكل غير قانونى يتعلق بمحادثات تجارية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة انتهى فى نهاية المطاف فى أيدى زعيم حزب العمال السابق جيريمى كوربين خلال الحملة الانتخابية.
ومن جانبهم، تقدم أعضاء اللجنة بشكوى من أنهم عندما طلبوا أدلة مكتوبة من MI5 فى بداية تحقيقهم حول التدخل المحتمل فى تصويت البريكسيت، فإن وكالة المخابرات قدمت فى البداية ستة أسطر فقط من النص.
واتهمت اللجنة MI5 بالعمل بحذر شديد، وقالت إن موقفها غير منطقى لأن القضية المطروحة هى الحماية العملية والآلية من تدخلات فى شئون الدولة، وهو الأمر الذى يجب أن يقع على عاتق وكالاتنا الاستخباراتية والأمنية.
وبحسب الصحيفة، تم الانتهاء من التقرير فى أكتوبر الماضى، لكن جونسون تدخل قبل الانتخابات العامة ولم يتم رفع السرية عنه ولم يصرح بإصداره من قبل رئيس الوزراء فى ديسمبر.
فى المقابل، رفض المسؤولون الروس بغضب استنتاجات التقرير، واتهموا المملكة المتحدة بالقيام "بدور قيادى فى رهاب روسيا" وادعوا أنها برأت موسكو من محاولات التأثير على استفتاء خروج بريطانيا عام 2016.
وقال كونستانتين كوساتشيف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الاتحاد الروسى، وهو هيئة تشريعية، فى تصريحات صحفية: "إن التهم لا أساس لها مرة أخرى وغير مقنعة". وقال أيضًا إن التقرير "رفع الشكوك حول روسيا بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
فيما هاجمت وزارة الخارجية الروسية التقرير بعد وقت قصير من صدوره، وقالت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الوزارة: "لم يكن هناك ضجة كبيرة". كما دعت التقرير بانه يروج لفكرة "الفوبيا الروسية".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة