التاريخ والحضارة المصرية القديمة مصدر أمام الباحثين لاستخراج عبق التاريخ، وعظمة تلك الحضارة التى تبهر العالم، على مدار التاريخ، ولقدرة الباحثين المصريين نبتة الفراعنة، وفى سبق علمى مصرى جديد، تتبع فريق بحث مصرى خالص أقدم نشاط بشرى على الأرض المصرية، وإرجاعه لأكثر من مليونى عام، وذلك من خلال البحث الذى نشر مؤخراً فى مجلة "علوم الآثار الأفريقية"، وهى مجلة دولية محكمة متخصصة فى أبحاث الآثار الأفريقية.
جاء البحث بعنوان "الصناعة الأولدفائية فى وادى النيل بمصر" " The OLdowan in the Egptian Nile Valley "، ويتكون فريق البحث من الدكتور أحمد سعيد أستاذ آثار وتاريخ الشرق الأدنى القديم بقسم التاريخ والآثار بكلية الأداب جامعة الكويت، والدكتور أبوالحسن بكرى أستاذ ما قبل التاريخ بكلية الآثار جامعة القاهرة، والدكتورة دعاء سيد إبراهيم الباحثة والمتخصصة بعلوم ما قبل التاريخ بوزارة السياحة والآثار المصرية.
وتمكن الفريق من تتبع الشواهد الأثرية والأدوات الحجرية التى ترجع لتلك الصناعة الحجرية البدائية المبكرة فى أربعة مواقع فى وادى النيل والواحات بالأرض المصرية، بالإضافة لنشر مجموعة من الأدوات الأولدفائية التى تم جمعها أثناء أعمال بعثات سابقة من عدة مواقع مصرية أخرى، والمحفوظة بالمتحف المصرى بالتحرير من خلال نفس البحث.
يذكر أن أقدم تصنيع وتكسير للأحجار، عرف حتى الآن، بهدف استخدامها كأدوات لجمع النباتات والثمار وللصيد، هى الصناعة "اللوميكيوية" التى عثر عليها فى كينيا، والتى تؤرخ بحوالى 3.3 مليون سنة مضت تقريبا، وأن الصناعة الأولدفائية هى ثانى أقدم صناعة حجرية معروفة فى العالم القديم، ويرجع تأريخ أقدم مواقعها بشرق إفريقيا لأكثر من مليونى ونصف عام مضت، وقد أخذت هذه التسمية من موقع أخدود "أولدفاى" بتنزانيا حيث رصدت لأول مرة أدواتها فى أقدم طبقاته الأثرية.
وكان العديد من الباحثين يعتقدون أن هذه الصناعة لم تتواجد فى الأرض المصرية، وأن إشغال الأرض المصرية التى تمثل الركن الشمالى الشرقى من القارة الإفريقية لم يحدث إلا فى المرحلة التالية من العصر الحجرى القديم الأسفل، وهى مرحلة الصناعة الحجرية "الأشولية" أوصناعة "الفأس اليدوية"، إلا أن هذه الورقة البحثية ترجح أن أقدم نشاط بشرى بالأرض المصرية يعود حتى لأكثر من مليونى عام مضى، بل وترجح أيضا أن ممر وادى النيل وصحاريه وأوديته استخدم كمعبر برى رئيس وفعال للهجرات البشرية المبكرة جدا التى خرجت من قلب إفريقيا وشرقها نحو باقى أنحاء العالم القديم، خاصة وأن مواقع هذه الصناعة قد تم رصدها وتسجيلها فى كل من مناطق بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية وباقى الشمال الإفريقى.
جدير بالذكر أن فكرة إعداد هذا البحث جاءت أثناء إعداد رسالة دكتوراة بعنوان " العصر الحجرى القديم الأسفل فى وادى النيل وبلاد الشام وشبه الجزيرة العريبة " التى يشرف عليها الدكتولا أحمد سعيد والدكتور أبوالحسن بكرى وإعداد الباحثة الدكتورة دعاء سيد إبراهيم، والتى تناولت منطقة وادى النيل بالدراسة والفحص خلال هذه الفترة ليلاحظ فريق البحث تواجد هذه الشواهد والدلائل الأثرية على تلك الصناعة التى ينكر تواجدها العديد من الباحثين، مما دعى الفريق لإعادة فحص وتصنيف الأدوات الحجرية التى عثرت عليها البعثات السابقة من المواقع المصرية وتم حفظها بالمتحف المصرى والاستعانة بها لتعضيد البحث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة