واصلت جريدة «الأهرام» خسائرها، ففكرت «أسرة تقلا» التى تملكها فى بيعها، لكن عملية إنقاذ لها بدأها الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، منذ يوم 1 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1957، وهو اليوم الذى صدرت وعليها اسمه رئيسا للتحرير.
كان عمر «الأهرام» وقتئذ 82 عاما، وأسسها الشقيقان اللبنانيين «بشارة وسليم تقلا» يوم 27 ديسمبر 1875، وصدر عددها الأول يوم 5 أغسطس عام 1876 بالإسكندرية، وكانت أسبوعية كل سبت، أما «هيكل» فكان عمره 34 عاما «مواليد 1923»، وصاحب تجربة صحفية بدأت من 1942 وحتى 1944 فى جريدة الإجيبشيان جازيت، أكبر الصحف الأجنبية التى تصدر فى مصر، حسبما يذكر هو فى كتابه «بين الصحافة والسياسة»، مضيفا أن محمد التابعى أقنعه بالانتقال إلى آخر ساعة، التى اشتراها فيما بعد مصطفى وعلى أمين، وأصبح هو رئيسا لتحريرها، بالإضافة إلى منصب مساعد رئيس تحرير أخبار اليوم.
أمام هذا السجل المهنى الحافل جاء التفكير فيه لإنقاذ الأهرام.. يتذكر: فى يوم 6 أبريل عام 1957 كنت على موعد لفنجان شاى فى نادى الجزيرة مع على الشمسى باشا، ورحنا نتمشى ساعة الغروب فى أرجاء النادى ومعنا صديق له، لم تكن معرفتى به وثيقة فى ذلك الوقت وهو الدكتور على الجريتلى، أستاذ الاقتصاد الأشهر، وتشعب الحديث من السياسة إلى الصحافة، وإذا نحن نعود مرة أخرى إلى قصة الأهرام فقد راح على الشمسى باشا يروى كيف أنه ترك رئاسة مجلس إدارته للسيدة رينيه تقلا، أرملة جبرائيل تقلا باشا، وكيف أن أسرة تقلا تواجه فى شأن جريدتها مشاكل معقدة، خسائر زادت على مليون ونصف المليون جنيه فى العشر سنوات الأخيرة، وتوزيع تدنى إلى حدود 60 ألف نسخة، وورثت الأسرة مجموعة مصالح فى لبنان بينها نصيب أغلبية فى بنك صباغ، أسرة السيدة رينيه تقلا، ثم كيف أن الأسرة تفكر جديا فى بيع الأهرام.
يضيف هيكل: قال الجريتلى إنه ليس من حق أحد أن يتصرف فى الأهرام كملكية خاصة لأن الأهرام مؤسسة عريقة فى تاريخ مصر السياسى والصحفى، ثم أضاف أنه لابد للشمسى باشا أن يمارس كل نفوذه لكى يحول دون انتقال ملكية الأهرام إلى مالك جديد لا يعرف كيف يحافظ عليها، وقال الشمسى باشا إنه جرب إقناع أسرة تقلا بأن الأمر يحتاج إلى تجربة أخيرة قبل أى قرار نهائى، وفى رأيه كما قال إن الأهرام تحتاج إلى صحفى شاب يستطيع تجديد حيويته مع الحفاظ على تقاليده، ورد الجريتلى بأن تلك الفكرة صائبة، وإذا الشمسى باشا يقاطعه قائلا إنه عرض رئاسة تحرير الأهرام فعلا على صحفى شاب، ولكن هذا الشاب تردد فى اللحظة الأخيرة وأوقعه فى حرج كبير.
يضيف هيكل: دون أية حسابات، ولعله كان العقل الباطن يدفع الكامن فيه على السطح، وجدتنى أقول للشمسى باشا: إننى سوف أريحه إلى أبعد حد، فى العام الماضى عرضوا علىّ الأهرام واعتذرت، وفى هذا العام أنا الذى أعرض نفسى على الأهرام.
توجه الشمسى وهيكل فورا إلى بيت ريمون شمبل.. يتذكر هيكل: قلت له لا أريد مناقشات جديدة تكفينى صورة من العقد القديم أوقعها باسمى كاملا ونحدد موعد البدء وتجىء أية تفاصيل أخرى، وجرت اتصالات وحضر آخرون وانتهى المساء بتوقيع العقد ملزما للطرفين.. يضيف: وجدت أمامى مهمتين تسبقان غيرهما.. الأولى: أن أقول لجمال عبد الناصر ما فعلت.. الثانية: أن أقول الشىء نفسه لأصحاب أخبار اليوم.
كان حال «الأهرام» وقتئذ حسبما يذكر هو فى مقاله يوم 10 يناير 1969: كان توزيع الأهرام 68 ألف نسخة يوميا، كانت الخسائر قرابة المليون ونصف المليون جنيه، كان متوسط العمر بين العاملين فى التحرير 51 عاما.. كانت مطبعة الأهرام فى بولاق يرجع عمرها إلى سنة 1928، أى انتهى عمرها الافتراضى منذ زمن، وأصبحت قيمتها الدفترية تساوى صفرا، وكان عنبر الحفر يحتوى على معدات صنعت فى فرنسا 1904، وكانت مبانى الأهرام ما بين سراديب تحت الأرض، وجسور معلقة تصل ما بين مبنى ومبنى، ولم يكن أى منها قد أنشئ ليكون دارا صحفية، وكان أهمها وهو مقر التحرير أصله فيلا خاصة سكنها القنصل الإيطالى فى القاهرة سنة 1900، ثم أستأجرتها الأهرام فى تلك السنة عندما انتقلت من الإسكندرية إلى القاهرة، وكان نظام العمل الداخلى بعيدا عن التطور الحديث فى الصحافة العالمية، فكان العمل فى المطبعة يجرى على أساس نظام أدخل فى صحف هيرست، بالولايات المتحدة، سنة 1910، ثم عدل إلى نظام أحدث منذ سنة 1923، لكن «الأهرام» ظلت تلتزم بالنظام القديم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة