أصدرت محكمة النقض، حكماَ مهماَ أرست فيه مبدأ قضائياَ بشأن قضايا الاختلاس، قالت فيه: "سداد المبلغ المختلس لا يتعارض مع نفي تهمة الاختلاس، والسداد لا يصلح بمجرده قرينة علي الإقرار بالجريمة، إذ يصح أن يكون السداد درءاَ منهم للاتهام وخشية من الإجراءات قبلهم".
صدر الحكم فى الطعن المقيد برقم 72140 لسنة 76 القضائية، لصالح المحامى بالنقض جورج أنطون، حيث قالت المحكمة فى حيثيات الحكم أن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بمعاقبة المطعون ضده الأول بالحبس مع الشغل لمدة سنة مع وقف إيقاف التنفيذ ومصادرة المحررات المزورة عن جرائم الاختلاس المرتبط بتزوير المحررات الرسمية واستعمالها المسندة إليه قد شابه القصور والخطأ في تطبيق القانون، ذلك أنه عول فى الإدانة على تقرير خبراء وزارة العدل دون أن يبين وجه استدلاله به على جملة المبالغ المختلسة، ولم يقض عليه بالرد ملتفتاَ فى ذلك عن إفادة البنك التى تفيد عدم سداده كامل المبلغ المختلس وأنه بناء على هذا الاعتقاد بأنه سدد كامل المبلغ أعلمت المادة 55 من قانون العقوبات، كما أن الحكم نزل بالعقوبة المقيدة بالحرية عن الحد الأدنى المقررة قانوناَ للجرائم التى دان الطاعن بها، وأغفل توقيع عقوبة العزل، كما لم يقض بالغرامة النسبة، ذلك كله مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
ووفقا لـ"المحكمة" – وحيث أن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة أركان الجرائم التي دان المطعون ضده الأول بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها، لما كان ذلك وكانت المحكمة قد اعتنقت من تقرير خبراء وزارة العدل أن الطاعن قد اختلس مبلغ 9034,95 – تسعة ألاف وأربعة وثلاثين جنيها وخمسة وتسعين قرشا – وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة تجزئة الدليل، ولو كان مستمداَ من تقرير الخبير، فتأخذ منه ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، فإن ما تثيره النيابة العامة بشأن إغفال الحكم بعض الوقائع التى وردت بالتقرير لا يكون له محل.
الحيثيات: سداد المبلغ المختلس لا يتعارض مع نفي تهمة الاختلاس
لما كان ذلك – وكان الحكم قد أثبت سداد المبلغ المختلس، وكان من المقرر أن جزاء الرد يدور مع موجبه من بقاء المال المختلس فى ذمة المتهم حتى الحكم عليه، وكان المطعون ضده قد قام برد المال المختلس قبل تاريخ الحكم فإن الحكم إذ لم يقض بالرد يكون قد أصاب صحيح القانون ويكون منعى النيابة العامة على الحكم فى هذا الصدد غير سديد- لما كان ذلك – وكانت عقوبة السجن المؤبد لا يجوز إبدالها عند معاملة المتهم بالرأفة عملاَ بالمادة 17 من قانون العقوبات إلا بعقوبة السجن المشدد أو السجن، وكان نص المادة 16 يقضى بأنه لا يجوز أن تنقص عقوبة السجن عن 3 سنوات ولا تزيد على 15 سنة إلا فى الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانوناَ، وكان الحكم المطعون فيه نزل إلى العقوبة الأدنى فى مدارج التشريع وهى الحبس بالمخالفة للقانون، كما أإفل القضاء بالغرامة إعمالاَ للمادة 118 عقوبات وعزل المحكوم عليه من وظيفته رغم اعتناقه اختلاس الطاعن، وكانت عقوبة العزل عقوبة تكميلية مقررة عن جناية الاختلاس عملاَ بالمادة 118 سالفة البيان، والمحكمة الجنائية ملزمة بتوقيعها.
وتؤكد: السداد لا يصلح بمجرده قرينة علي الإقرار بالجريمة
وتضيف "المحكمة" – أن نفى تهمة الاختلاس عن المطعون ضدهم من قبل النيابة العامة لا يتعارض أو يتناقض مع سدادهم المبالغ محل الاتهام أو جزء منها، إذ يصح أن يكون درءاَ منهم للاتهام وخشية من الإجراءات قبلهم، وكان أن السداد لا يصلح بمجرده قرينة على الإقرار بالجريمة، فإن رمى الحكم المطعون فيه من هذا الوجه لا يكون قويماَ، فضلاَ عنه أنه لا يقدح فى سلامة الحكم القاضى البراءة أن تكون إحدى دعاماته معيبة ما دام الثابت أن الحكم قد أقيم على دعامات أخرى تكفى لحمله، لما كان ما تقدم – فإن طعن النيابة العامة فى شق البراءة ضد المطعون ضدهم يكون على غير أساس متعيناَ رفضه.