مصر على موعد جديد من افتتاح إنجاز جديد ضخم بعد أيام أو أسابيع قليلة، عندما يتم التدشين رسميا لمحور ترعة «المحمودية»، وتحويله من أكبر مقلب قمامة فى مصر ومستنقع للمخلفات والأوبئة والعشوائيات إلى شريان مرورى ومحور تنموى متكامل بطول 21 كيلو متراً، بدءاً من تقاطع الكوبرى الدولى الساحلى بالكيلو 55 ترعة المحمودية شرقاً حتى المصب بمنطقة الدخيلة بالكيلو 77 ترعة المحمودية غرباً، ليجعل المنطقة واحدة من المناطق الراقية فى مصر الزاخرة بالخدمات الصحية والتعليمية والرياضية والرتفيهية والسياحية أيضا.
واستغرق العمل من المشروع حوالى عامين وتغلب المشروع القومى على العديد من التحديات، منها نقل المرافق العامة من شبكات مياه وصرف صحى وكهرباء وغاز طبيعى. ولا يتخيل حجم الإنجاز فى هذا المشروع إلا من عاش وعاصر هذه الترعة، التى عانت بشكل كبير من الإهمال، حيث تضخمت الحشائش النابتة على ضفتيها، واستفحلت عمليات إلقاء القمامة فيها، وأيضًا أصبحت المياه فيها ضحلة بشكل كبير، وفشلت الدولة طوال الخمسين عاما الماضية، ومع انتشار المبانى السكنية والعشوائيات حول الترعة فى حل لمشكلتها، وكان يظهر من وقت لآخر بعض الأفكار لردم الترعة وتحويلها إلى طريق عام، يساهم فى حل أزمة المرور التى تعانى منها المدينة، أو بناء بعض المبانى على أجزاء معينة من الترعة، لكن تم إهمال الترعة وتراكمت مشاكلها، وتعقدت أزمتها حتى تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى أمور البلاد وقراراه بتحويل الترعة إلى مشروع قومى ومحور تنموى ضخم.
ومع اقتراب موعد الافتتاح والتدشين الرسمى، بدا أن هناك مطالبات تنادى بضرورة تغيير اسم الترعة، التى تحمل اسم السلطان العثمانى، وتخليدا له فى بقعة مصرية غاية فى الأهمية والحيوية، وربما كان إطلاق اسمه ضرورة زمنية فى فترة تاريخية معينة لم يعد لها ضرورة الآن، ومثلما تمت الموافقة على تغيير اسم الغازى السلطان سليم الأول من أحد أهم شوارع حى الزيتون، فمن البديهى تغيير اسم ترعة المحمودية إلى ترعة الإسكندرية أو أى اسم مصرى آخر أو حتى إطلاق اسم ترعة الشهداء عليها، فقد استشهد خلال حفر هذه الترعة، التى تربط بين النيل والبحر المتوسط بالإسكندرية، حوالى 12 ألف مصرى، والحكاية بدأت عندما أمر الوالى محمد على فى مايو 1807- أى بعد توليه حكم مصر بعامين فقط- بشق وحفر ترعة تبدأ من النيل قرب قرية بهبيت بالبحيرة للإسكندرية، لتكون ممرا مائيا للمراكب التجارية، فى إطار خطة التنمية الشاملة التى أنجزها فى مصر، واستغرقت عمليات الحفر حوالى 13 عاما، أمر خلالها محمد على بجمع آلاف الفلاحين والعمال بتلك المنطقة ومع بدء المشروع عثر على آثار فرعونية قديمة، تم رفعها للوالى، لكن وبعد 12 عاما وفى إبريل 1819 توقف العمل بسبب انتشار وباء الطاعون، وحسب مصادر تاريخية موثوقة عن تلك الفترة، فقد بلغ عدد من استشهدوا خلال الحفر وبسبب الطاعون حوالى 12 ألف فلاح وعامل مصرى، أمر محمد على بأن يدفنوا فى أماكنهم حتى لا ينتقل الوباء إلى غيرهم.
وفى يناير 1820 تم الانتهاء من الحفر وفتح ميناء بالإسكندرية للترعة، أما عن سبب تسميتها بالمحمودية، فهناك روايتان: الأولى أن مصر كانت ولاية عثمانية على أيام محمد على، وتم حفر القناة كبديل لمشروع حفر قناة السويس، الذى رفضه محمد على ثم أراد مجاملة السلطان العثمانى فأطلق اسمه عليها، والرواية الأخرى أن محمد على أراد تهدئة السلطان العثمانى وتطييب خاطره وعدم إغضابه بسبب ما ينجزه من عملية نمو ونهضة فى مصر، فقرر عند افتتاحها إطلاق اسم «ترعة المحمودية» عليها نسبة إلى الحاكم العثمانى المستعمر، وبقى الاسم بعد أن تحررت مصر من الاستعمار العثمانى، وعقب سنوات طويلة من الإهمال بدأ التفكير عقب ثورة 30 يونيو فى تحويل ترعة المحمودية إلى مشروع تنموى متكامل ومرورى ضخم بطول 21 كيلو متراً، ويتضمن 14 منطقة تنموية، حيث بدأت الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة فى تنفيذ المشروع منذ فبراير 2018، بتكلفة بلغت نحو 5 مليارات جنيه، وتم استخدام نحو 450 معدة لتنفيذ المشروع الذى يتضمن 14 كوبرى للمشاة، و5 كبارى جديدة بالقطاع المغطى، و6 كبارى سيارات للدوران للاتجاه الآخر، والمحور يتخلله 25 محورا عرضيا لربط «الشريان» بالأحياء الداخلية، ليعطى قبلة الحياة للمدينة للخروج من أزمتها المرورية.
وعرض المحور يتراوح ما بين 80 و120 متراً، ويسع المحور الجديد من 6 إلى 8 حارات مرورية فى كل اتجاه، مع تخصيص حارة لأتوبيسات النقل العام.
ويشمل المشروع المنطقة الاستثمارية التى تقع بمنطقة سموحة، وهى تتضمن إنشاء 3 بحيرات صناعية منهم بحيرة 1 على مساحة 14 ألف متر مسطح، وهى بحيرة مخصصة للمواطنين بالمجان وبحيرة 2 و3 داخل المنطقة الاستثمارية، فهى تتضمن 128 وحدة تجارية بمختلف المساحات.
والبحيرات الصناعية بها عمق مياه 2.40 سم، وصممت لتستوعب منسوب مياه أعلى فى فصل الشتاء بمنسوب زيادة 75 سم، المشروع يوفر نحو 15 ألف فرصة عمل مباشرة وحوالى 25 ألف فرصة عمل غير مباشرة بإجمالى حوالى 40 ألف فرصة عمل بالمشروع.
مع ضخامة وأهمية وحيوية المشروع، ينادى العديد من اساتذة التاريخ بضرورة تغيير اسم الترعة بدافع تاريخى ووطنى أيضا، فليس من المقبول ولا المعقول أن يبقى اسم عثمانى على شريان حيوى ومشروع قومى بحجم مشروع المحمودية، ومثلما قادت المطالبات الشعبية بإزالة أسماء قيادات الإخوان من شوارع بعض محافظات مصر، خاصة فى محافظة البحيرة مثل مؤسس الجماعة حسن البنا ومنظرها للإرهاب سيد قطب إلى شارع المشير أبوغزالة وشارع المستشار عدلى منصور، فيبقى الأمل فى تغيير اسم محور ترعة المحمودية إلى ترعة الإسكندرية مثلا، وفتح الباب أيضا لتغيير أسماء الغزاة والمحتلين على مر العصور التى تنتشر على عدد ليس بالقليل من شوارع ومناطق مصر، وهذه قضية أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة