منذ بدأ فتح ملف المصالحة والتقنين للعقارات المخالفة، تداخلت المواقف بشكل يصعب فيه التفرقة بين أصحاب المواقف الحقيقية.. وبالفعل تجب التفرقة بين أطراف واجهت بعض الضرر وأطراف أخرى اعتادت تحقيق أرباح من بقاء المخالفات، بل إن الجيوب المظلمة للمحليات والإدارات الهندسية كانت من أكثر المعترضين، لأنها كانت تحقق أرباحا دائمة من المخالفين أو حتى من غير المخالفين، وكان بقاء الحال على ما هو عليه يمثل بقرة حلوب لمن اعتادوا التربح من الوضع.
وكان أكثر الأطراف تعبيرا عن الخوف هم الفلاحون، ملايين المنازل بنيت من سنوات أو عقود ويواجه أصحابها وضعا جديدا، مع تخوفات من ارتفاع قيم المصالحات، وخلال الأيام الأخيرة تحركت الحكومة وظهر رئيس الوزراء مصطفى مدبولى أكثر من مرة، وأوضح الكثير من النقاط الغامضة أو الغائبة، والواقع أنه منذ إعلان القانون والتصالح بقى الأمر غامضا بلا شرح أو توضيح لدرجة أن المواطنين الذين تقدموا للتصالح لم يجدوا إجابات لدى المسئولين والجهات المفروض أنها تطبق القانون أو تتسلم الطلبات، وبعد مرور أشهر وقرب انقضاء المدة لم تبدأ الإجراءات فعليا إلا فى الأسابيع الأخيرة، وهو ما أدى إلى تكدس وارتباك وصراع، فضلا عن انتشار شائعات ومعلومات مغلوطة كادت تتسبب فى صدامات.
يضاف إلى ذلك سوء تطبيق بعض الجهات الإدارية للقانون واللجوء إلى إجراءات عنيفة أو مهينة لبعض المواطنين، وهو ما كاد يتسبب فى صدامات.
من هنا يمكن تقدير تحرك الحكومة وظهور رئيس الوزراء والوزراء، لشرح القانون والإجراءات وتيسير الكثير من الإجراءات ومد مهلة التصالح بمجرد تقديم الأوراق، بما يمنح المواطنين الفرصة لتقنين أوضاعهم مع تقليل حجم وعدد الأوراق المطلوبة فى ظل أوضاع كانت الأراضى فيها تنتقل بلا أوراق، وحسنا فعلت الدولة بعد توجيهات الرئيس بتحديد 50 جنيها سعر متر التصالح بالريف، وخصم 25 % من المبلغ حال السداد الكامل.. وهى خطوات تخفف عن ملايين الفلاحين فى الريف لإنهاء المصالحة بمقابل معقول.
وكل هذه الإجراءات ربما تساهم فى وقف الاعتداء على الأراضى الزراعية والنزيف المستمر، والذى تحول إلى حالة مستحيل التعامل معها.
وإذا كان رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، يقول إن الهدف من التصدى لمخالفات البناء هو الإصلاح، ووضع حد للنزيف فى البناء العشوائى والأراضى الزراعية، فإن على الحكومة أن تضع فى اعتبارها توفير بدائل للتوسع العمرانى، خاصة فى المحافظات المغلقة والتى تفتقد إلى ظهير صحراوى، خاصة فى محافظات وسط الدلتا، ومنها محافظات الغربية والمنوفية والدقهلية والقليوبية، وهى محافظات تواجه أزمة فى الأراضى فى ظل تضاعف عدد السكان.
وإذا كانت الحكومة جادة فى وقف أى مخالفات جديدة، ربما يكون على خبراء التخطيط التفكير فى مستقبل البناء وتوفير بدائل أو إعادة ترسيم المحافظات بإضافة ظهير صحراوى للمحافظات المغلقة، وعلى سبيل المثال كانت هناك خطط لربط جغرافى بين محافظتى الغربية والبحيرة، بشكل يتيح للغربية التوسع لأنها محافظة مغلقة ومن المحافظات التى تفقد أراضى زراعية بشكل كبير.
نفس الأمر فيما يتعلق بالتوسع العمرانى، فالدولة تقيم مدنا جديدة، وبالفعل هناك محاولة لتوزيع المدن الصناعية بين المحافظات وعدم قصرها على القاهرة والمحافظات الكبرى، ويفترض التفكير في كيفية استيعاب الزيادات السكانية للمحافظات المغلقة، لأن المخالفات والبناء العشوائى فى جزء منها يرجع لغياب البديل، سواء من الأرض أو بسبب ارتفاع أسعار السكن بالنسبة للطبقات الوسطى والشباب.. ونظن أن الدولة جادة فى هذا الإطار لمواجهة المخالفات، وهو ما يفترض ترجمته إلى بدائل تتيح إمكانية الحصول على مسكن مناسب، وهو ما سبق وأعلن وأكد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى، ويفترض أن تترجمه الحكومة فى إجراءات ممكنة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة