انتهت الثورة العرابية بهزيمة جيش عرابى على أيدى الإنجليز فى التل الكبير يوم 13 سبتمبر 1882، واطمأن الخديو توفيق على البقاء فى عرشه، وكان الثمن هو احتلال مصر، ثم دخوله القاهرة قادما من الإسكندرية فى حمايتهم.
بعد فشل الثورة بدأ العقاب، وفتح باب الانتقام على مصراعيه، حسبما يذكر داود بركات، فى كتابه: «الثورة العرابية بعد خمسين عاما.. رؤية الأهرام»، مؤكدا: «أرادت الحكومة أن تحاكم جميع الضباط الذين شاركوا عرابى ورفاقه، وصدر الأمر إلى المديرين والمحافظين والحكام بالقبض على كل من له يد فى الثورة، وأفحش هؤلاء بسوء المعاملة وبالغوا فى الإيذاء، لا سيما فى الشرقية والمنيا، وكثر أصحاب الوشايات والخيانة، وأصدر توفيق أمرا بحل الجيش، يوم 19 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1882، وفى اليوم ذاته أصدر أمرا بتأليف مجلس للتحقيق عن الجرائم أحدها فى طنطا والآخر فى الإسكندرية».
نص أمر مجلس التحقيق على: «تشكيل قومسيون خصوصى بالإسكندرية لفحص وتحقيق مواد السرقات والقتل والهتك والنهب والحرائق التى وقعت بالإسكندرية فى يوم 11 يونيو سنة 1882، وفى الأيام التى توالت بعد 11 يوليو لغاية 16 منه، وعلى هذا القومسيون أن يجرى تقريرا عن كل قضية يجرى تحقيقها، وأن يقيم الدعوى على كل شخص تظهر له جناية، ولهذا القومسيون أن يطلب أى شخص بمقتضى طلب يقدم منه إلى محافظ الإسكندرية، وهو ملتزم بتنفيذ هذا الطلب، ويجوز للقنصليات أن ترسل إلى مندوبين من طرفها إذا شاءت ليحضروا جلسات القومسيون، ومع عدم جواز اشتراك هؤلاء المندوبين فى المداولة يكون لهم الحق أن يبدوا ما يتلاحظ لهم إلى القومسيون بواسطة الرئيس».
وصدر أمر آخر بأن اختصاص هذا القومسيون ينسحب على الوقائع حتى 14 سبتمبر 1882، وتألف مجلس ثان للتحقيق عن حوادث طنطا، وكلا القومسيونين يقيم الدعوى أمام المحكمة العسكرية التى تألفت لهذا الغرض.
كانت عمليات القبض تتوالى على كل من شاركوا فى الثورة منذ بداية شرارتها، وامتلأت سجون القاهرة والإسكندرية ومراكز الأقاليم بالثوريين، وتذكر الدكتورة لطيفة سالم فى هوامش تعليقها على كتاب «الثورة العرابية بعد خمسين عاما»: «امتلأت سجون القاهرة والإسكندرية ومراكز الأقاليم بالثوريين من ضباط وأعيان وعلماء وقضاة وعمد مشايخ وصحفيين ومديرين وتجار، حتى لقد ضاقت بهم السجون، وبلغ المقبوض عليهم نيفا و29 ألف نفس، واتسعت دائرة الانتقام، واستخدمت جميع وسائل التعذيب مع المسجونين، وكانت لرياض باشا اليد الطولى فى ذلك، إذ قال إن المصريين تعابين، والطريقة الوحيدة لمنع تفشيها هى سحقها بالأقدام وسأسحق أنا المصريين».
يذكر الدكتور عبدالمنعم الجميعى فى تقديمه وتعليقه على مذكرات عرابى، الصادرة عن «دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة»: «امتلأت السجون بمن ناصر الثورة العرابية من العلماء والمديرين وعمد البلاد والتجار وغيرهم، لدرجة أن وزارة الداخلية أرسلت تشكو إلى مجلس النظار من هذا الازدحام، وتحذر من المساوئ التى يمكن أن تترتب عليه»، أما عرابى نفسه فيذكر: «صار سجن جميع الذين بالمديريات والمحافظات من المستخدمين والموظفين والعمد والأعيان والقضاة والمفتيين وغيرهم من عامة الناس حتى غضت السجون بما يربو على ثلاثين ألفا من المصريين».
أما أمر «توفيق» بحل الجيش المصرى فيذكر «الجميعى» أن الهدف من هذا القرار كان : «القضاء على العسكرية المصرية، وتشكيل جيش جديد تحت الإشراف الإنجليزى، وإلغاء الرتب العسكرية المعطاة فى مدة الثورة العرابية».
كانت مصر تنتقل من حال إلى حال، ولم يكن قرار حل الجيش الشاهد الوحيد على تصفية كل ما هو له علاقة بالثورة، ففى اليوم ذاته «19 سبتمبر 1882»، وطبقا لسليم خليل النقاش فى الجزء السادس من كتابه «مصر للمصريين»، فإنه صدرت أوامر خديوية بعد سقوط التل الكبير بتعيين حكام للمديريات من أهل النزاهة والإخلاص «يقصد الذين لم يكونوا فى صف الثورة»، فعين إبراهيم أدهم باشا مديرا للغربية ومحمد شاكر باشا للدقهلية، وأحمد فريد باشا للشرقية، وإبراهيم بك توفيق للبحيرة، وحسن فهمى بك للمنوفية، وإلياس بك لبنى سويف، ومراد باشا رفعت للفيوم، وخليل بك عفت للمنيا، وحسن بك رفعت لقنا، وعثمان باشا صدقى لإسنا، وعين عثمان باشا غالب مأمورا لضبطية مصر، وأحمد باشا رأفت محافظا للاسكندرية، وإسماعيل زهدى باشا محافظا لدمياط، وحسين بك البغدادى محافظا لرشيد».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة