تمر اليوم الذكرى الـ 32 على حكم المحكمة الدولية بأحقية مصر فى طابا، وأنها تابعة للأراضى المصرية، بعد مرافعات دامت لمدة 3 أسابيع، حتى صدور الحكم لصالح مصر فى 29 سبتمبر 1988 داخل قاعة المجلس الكبير بالمقر الرسمى لحكومة مقاطعة جنيف، فى حضور وكيلى الحكومتين، وأعضاء هيئة الدفاع لكلا الجانبين، بأغلبية 4 أصوات والاعتراض الوحيد من الجانب الإسرائيلى، ووقع الحكم فى 230 صفحة.
تعود بداية القصة، عندما أطلت معركة طابا برأسها فى أكتوبر 1981 خلال اجتماع الجانب المصرى مع الإسرائيلى لتفعيل انسحاب الجيش الإسرائيلى من سيناء.. "فى هذا الاجتماع اتفق الطرفان على كل العلامات الحدودية باستثناء العلامة 91 الخاصة بمدينة طابا، حيث رفض الوفد الإسرائيلى تنفيذ الانسحاب بشكل كامل، وتوسع الخلاف حتى شمل 13 علامة أخرى"، وأعلنت مصر فى مارس 1982 وجود خلاف مع الجانب الإسرائيلى حول بعض العلامات الحدودية، مؤكدة تمسكها بموقفها المدعوم بالوثائق الدولية والخرائط التى تثبت تبعية تلك المناطق للأراضى المصرية، وعقدت عدة اجتماعات رفيعة المستوى لبحث إيجاد حل للأزمة، لكن الأمور تعقدت بشكل أكبر بعد تعنت الإسرائيليين.
العديد من الكتب والدراسات من الجانبين المصرى والإسرائيلي تناولت أزمة طابا، وكيف عادت القطعة الحدودية إلى أحضان بلده الأم بعد سنوات طوال من الاحتلال؟
مذكرات إسحق شامير
بحسب مذكرات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق شامير، فإن الجانب المصرى وافق على التسوية "حل وسط" هكذا فهم من أقوال رئيس الوزراء المصرى آنذاك كمال حسن على، ووزير الدولة بطرس غالى، لكن الرئيس مبارك يبدو أنه كان مدركا بأن نتيجة التحكيم ستكون في غير صالح إسرائيل لذا أصر على التحكيم، وبدأ المصريون يمارسون الضغط، وفى الوقت نفسه بدأت حكومة الوحدة برئاسة شمعون بيرس الذى قرر تأييد مطالبة مصر بإحالة موضوع طابا للجنة تحكيم دولية، وفسر المؤلف هذا التأييد بأن ذلك سيكون في صالح توثيق العلاقات وتحسين فرص قيام الرئيس المصرى الأسبق بزيارة القدس كضيف على بيرس، لكن هذا التأييد أيضا تسبب في خلافات كثيرة لوجهات النظر داخل الحكومة الصهيونية، خاصة داخل وزارة الخارجية.
سيناء أرض المقدس والمحرم
في هذا الكتاب للمؤلف خالد عكاشة، يكشف كيف قررت مصر من البداية أن تكون معركتها دبلوماسية وقانونية، بحيث تستخدم كافة الوثائق والمخطوطات التي تحصل عليها من دور المحفوظات العالمية، لكى تثبت للعالم أجمع أن حق مصر لاريب فيه وغير قابل للتنازل وكانت مصر واثقة من حقها التاريخى، ففي 13 مايو 1985، صدر قرار رئيس الوزراء رقم 641 بتشكيل اللجنة القومية العليا لطابا، من أبرز الكفاءات القانونية والتاريخية والجغرافية، واستخدمت اللجنة كافة الحجج لإثبات الحق، ومن أهمها الوثائق التاريخية التي مثلت 61% من إجمالي الأدلة المادية التي جاءت من ثمانية مصادر، وقد نصت مشارطة التحكيم على أن المطلوب من المحكمة تقرير مواضع علامات الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب.
دهاليز السياسة وكواليس الدبلوماسية نوادر ومواقف
سكرتير المعلومات للرئيس الأسبق مبارك، الدكتور مصطفى الفقى، يوضح في كتابه الدور الكبير الذى لعبه الدكتور عصمت عبد المجيد في ملف استعادة طابا، وكيف أدار حركة الفريق القانوني والدبلوماسى برصانة وهدوء، بل إن الرئيس الأسبق ذاته أولى ذلك الموضوع عنايته المباشرة واهتمامه الخاص، وكان الفقى وقتها سكرتيرا للمعلومات في مكتب الرئيس، موضحا أنهم بذلوا جهدا كبيرا في وضع أسئلة التحكيم وبلورتها، فيما يسمى "المشارطة" خصوصا وأن التحكيم الدولى يستمد ولايته من قبول طرفى النزاع له، وهو ما حدث في قضية طابا، التي شغلت الرأي العام قرابة ثلاثة أعوام.
ولفت الدكتور مصطفى الفقى أن أساتذة الجغرافيا أسهموا في عودة الحق لمصر، بالإضافة إلى حصول مصر على خرائط من الأرشيف العثمانى في تركيا، كما قدم إسماعيل بك شيرين، آخر وزير للحربية في العصر الملكى وزوج الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق من جانبه اسهاما بخريطة، تؤكد حق مصر في استعادة أرضها في طابا.