أنا أعتبر نفسي من الجيل المحظوظ جدا الذي عاش واستمتع بابداع عمالقة الكتابة الدرامية في مصر منذ السبعينات وحتى الآن. والتقيت وجلست الى عدد منهم بحكم مهنتي الصحفية في جلسات تثقيف وتنوير ونقاش صحي سواء بحماس الشباب وقتها- أبلغ من العمر الآن 56 عاما كبقية أبناء جيلي- في الأسئلة التي ربما كانت تتجاوز اللياقة أو في حكمة الرد من هؤلاء الأساتذة الذى ودع معظمهم الحياة الدنيا وبقيت أعمالهم.. ومنهم مازال ينتظر.. وكان آخرهم الأستاذ الكبير والمبدع روائيا ومسرحيا وتلفزيونيا وسينمائيا وحيد حامد
لا أريد أن أنسى اسم واحد من هؤلاء العباقرة الكبار مثل أسامة أنور عكاشة ويسرى الجندي ومحفوظ عبد الرحمن ومحمد جلال عبد القوى وكرم النجار ومحمد صفاء عامر ومصطفى محرم
يودعنا الأستاذ الذى كنا نمر عليه في الصباح الباكر وهو يتناول افطاره وفنجان قهوته في فندق الميريديان منذ نهاية الثمانينات وتجلس اليه فتشعر بتواضعه المدهش على الفور ويبعث اليك بالطمأنينة الأبوية في أن تتحدث معه وتتبادل معه أطراف الحديث.
هو ابن فترة تاريخية مميزة سمحت له أن يكتب وهو في عمر 26 عما مسرحية " آه يابلد" عام 71 ثم بدأت أعماله وهو في هذا السن الصغير أعماله الدرامية سواء في التليفزيون مثل البشاير وأحلام الفتى الطائر والعائلة والدم والنار وأوراق الورد والناس سنة 2000 وصولا الى أوان الورد والجماعة 1و2 وغيرها
أما في السينما فقد تحول الى ايقونة لاستشراف المستقبل وتشريح الواقع. وأتذكر انه تم إيقاف فيلمه " البرئ" للعبقري أحمد زكي الذى كان يمثل بقفاه ليمنح صك الامتياز لشخصية أحمد سبع الليل ويخلدها في السينما المصرية على مدار تاريخها الماضى والحاضر والمستقبل، وكان ذلك قبل اندلاع أحداث الأمن المركزي في مصر في 21 و22 فبراير 86 حتى أن الكثيرين ربطوا بين الفيلم والأحداث في ذلك الوقت. ثم يأتي فيلمه "الهروب " لنفس العبقرى أحمد ذكي ومعه المخرج الذى اختطفه الموت منا سريعا عاطف الطيب ليشكل علامة فارقة وبصمة دامغة في تاريخ السينما بكل مشهد وجملة حوارية فيه وخاصة " عصا موسى" التي جاءت على لسان القدير الراحل محمد وفيق وكان صرخة تحذير وجرس انذار وضوء شديد الاحمرار لما سوف يحدث فيما بعد – وقد حدث في 25 يناير- لان الهروب من مواجهه الواقع وحل القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لن يجدى والا سوف يكون مصيره تراكم الإحساس بالظلم وغليان الصدور مثل القدور ، وبعده " الإرهاب والكباب" للعبقرى الآخر الزعيم عادل امام الذى لم يتخلى عن شخصيته الكوميدية ولكنها في هذا الفيلم كانت كوميديا دامعة محزنة لاسباب الفساد والإرهاب وعجز الشعب عن تحقيق مطالبه لحظة امتلاك السلطة وهذا ما حدث بالضبط في يناير 2011 عندما تخلى الشعب والقوى الوطنية عن الثورة لجماعة الاخوان الإرهابية، ثم يواصل الابداع والتألق في مواجهه الإرهاب بأفلامه مع عادل امام في الإرهابي وطيور الظلام والمنسى واللعب مع الكبار والنوم في العسل وعمارة يعقوبيان وقد وصل في هذه الأفلام مع صديقه الزعيم الى " شواشي التألق والابداع".
وأظنه الى جانب العشرات من أعماله التليفزيونية والسينمائية والمسرحية لو كان قد اكتفى فقط بكتابة أفلام " البرئ" والهروب واللعب مع الكبار وطيور الظلام والإرهاب والكباب ومسلسلات الجماعة والعائلة وأحلام الفتى الطائر وقانون ساكسونيا لسجل اسمه في تاريخ الكتابة السينمائية والتليفزيونية بحروف من نور.
اختار وحيد حامد طريقه في الابداع بالانحياز الى البسطاء والفقراء والوطنية المصرية ضد الظلم والجهل والتخلف والظلام الفكري، فكان في بعض الأحيان يبدو وحيدا بقلمه في مواجهه شراسة جماعات العنف والإرهاب في الثمانينات والتسعينات وحتى شهور قليلة من وفاته، وشكل بحروف كتاباته السياسية " حزب معارضة" كاملا
انحاز للإبداع وحرية الفكر والوطن والمواطن حتى لو وضعه ذلك في مواجهات صعبة مع تيارات اليسار عموما والناصريين بشكل خاص ومع عدوه التاريخي الاخوان ومن والاهم وولد من تحت عباءتهم.
أذكر انه في منتصف عام 2018 وعقب انتهاء مسلسل الجماعة2 وما أثاره من ضجة كبيرة زارنا مع الجميلة صابرين التي أدت دور زينب الغزالي بامتياز والفنان الأردني الجميل الراحل ياسر المصري-توفى في 23 أغسطس2018- الذى أدى دور الزعيم جمال عبد الناصر، زارنا في مقر " اليوم السابع" ودارت ندوة ساخنة وتوقعت أن يغضب من أسئلتي عن مصادره التاريخية حول انتماء عبد الناصر للإخوان وانضمامه اليهم وابديت له شكوكي فيها، لكنه بهدوء المثقف ووداعة ووقار الأستاذ في استيعاب واحتواء تلاميذه أجاب بكل تواضع عن السؤال و آثارني احترامه الشديد لحرية الاختلاف في الرأي ولم أكن أتمنى أن اختلف معه لكنه طلب هو ذلك بإلحاح.
هذا هو جيل الأساتذة الكبار الذين تعلمنا منهم الكثير ورسخوا قيم اجتماعية واخلاقية من خلال أعمالهم التي شكلت وعي وثقافة أجيال عديدة. رحمك الله يا أستاذ وحيد