كان الوقت عصر الخميس 3 يناير 1952، حينما بدأت معركة دامية فى السويس بين قوات الاحتلال البريطانى والفدائيين، واستمرت حتى اليوم التالى 4 يناير، مثل هذا اليوم، الذى شهد معركة أخرى فى «أبوصوير» بالإسماعيلية.
كانت المقاومة الفدائية مشتعلة ضد الاحتلال فى مدن القناة، ويذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «مقدمات ثورة 23 يوليو 1952»، وقائع المعركتين، وعن معركة السويس يقول: «كانت بداية المعركة من الإنجليز، إذ خرجت سيارة جيب من معسكرهم الرئيسى بالسويس تقل ضباطا وبعض الجنود، واتجهت إلى مدخل المدينة فى طريق المعاهدة، ولما وصلت إلى ورش القاطرات التابعة لمصلحة السكة الحديد، أرادت اقتحام هذه الورش، فحذر الحراس راكبيها، فأجابوا بإطلاق الرصاص عليهم، ورد الحراس على هذا العدوان بضرب مثله».
بعد دقائق خرجت دبابتان وعشرون سيارة مصفحة وثلاثون سيارة نقل لورى تعج بالجنود الإنجليز من المعسكر البريطانى، واتجهوا إلى وابور تكرير المياه للمعسكرات البريطانية المجاورة لكفر عبده، وخرجت قوة أخرى صغيرة، واتجهت إلى ورش القاطرات.. يضيف الرافعى: «وصلت أنباء هذه التحركات إلى رجال البوليس، فأيقنوا أن الإنجليز يريدون الاعتداء على المدينة كلها، فتحصنوا فى منازل كفر محمد سلامة، وكفر البراجيل المجاورة لكفر أحمد عبده، وتحصن الفدائيون فى بعض المنازل، وتبادل الفريقان إطلاق الرصاص، وكان الأهالى ينقلون الذخيرة إلى جنود البوليس والفدائيين المتحصنين فى المنازل تحت وابل الرصاص الإنجليز، وساهموا بشجاعة فى رد العدوان، ولما حل الليل هدأت المعركة قليلا».
قضت القوات البريطانية ليلة 4 يناير فى تعزيز مواقعها فى منطقة وابور المياه، وكان ذلك نذيرا بهجوم جديد لها على المدينة، واتخذت هذه القوات مواقعها بين المساكن المتهدمة فى «كفر أحمد عبده»، وفى ورشة الوابورات المواجهة لكفر سلامة وطريق المعاهدة، وفى نحو الساعة الرابعة من صبيحة 4 يناير استأنف الإنجليز عدوانهم المسلح على أهل المدينة، وكان الفوج الأول منهم يتألف من خمسمائة جندى، فاحتلوا كشكى المثلث رقمى 1 و2، ثم أخذوا يطلقون النار على الأهالى، فقابلوا العدوان بالدفاع المسلح عن أنفسهم.
يؤكد الرافعى، أن الأهالى انضم إليهم فدائيون من كتيبة الشهيد أحمد عبدالعزيز، كما لحقت بهم قوة من البوليس ليساهموا فى رد العدوان، ونشبت بين الفريقين معركة دامية انسحب على إثرها الإنجليز إلى قاعدتهم، وانتهز الفدائيون هذه الفرصة فزرعوا أربعة ألغام فى جنوب وابور المياه، وانفجرت متتالية لتنسف بعض مبانى الوابور، وفى منتصف الساعة السابعة صباحا عاود البريطانيون هجومهم، وضربوا مواقع الفدائيين بالمدافع، وكانوا يركزون إطلاق قنابهم على كل بيت أو موقع اعتقدوا أن جنود البوليس والفدائيين يمتنعون فيه، وتبادل الفريقان إطلاق النار.
يذكر الرافعى، أن إسراف الإنجليز فى العدوان بلغ درجة أنهم أطلقوا ما لا يقل عن ألف رصاصة على مبنى المستشفى الأميرى، وحديقة منزل مديره على الرغم من ارتفاع العلم الأبيض على المستشفى، وأطلقوا الرصاص أيضا على سيارات الإسعاف وناقلات المرضى.. يؤكد الرافعى، أن العدوان البريطانى لم يرهب الأهالى، فأخذوا يتوافدون طيلة المعركة على المنطقة، يزودون الفدائيين بالذخيرة.
وفى الساعة السادسة مساء اتصل القنصل البريطانى بالمحافظة، وهدد باتخاذ إجراءات تأديبية وضرب المدينة بالمدافع إذا لم يتوقف إطلاق النار من الجانب المصرى، وكان الرد عليه برفض تهديده، وسيتم الرد على أى بادرة لعدوان بريطانى.
ساد الهدوء المدينة ليلا، بعد أن انقطع عنها نحو ثلاثين ساعة، وعند منتصف الليل أتم الإنجليز حصار المدينة وسدوا معظم المنافذ إليها.. يؤكد الرافعى، أن هذه المعركة أسفرت عن خمسة شهداء و44 جريحا مصريا، ومن أسماء الشهداء، صابر حسين حسن «وهو طفل صغير»، ونور الدين حسن يوسف، فؤاد محمد إسماعيل علوان، واستشهد فى اليوم التالى، على شعراوى من عمال وابور المياه التابع لبلدية السويس، وبلغ عدد قتلى الإنجليز 25 و55 جريحا.
يذكر الرافعى، أن هذه المعركة الوطنية دفعت فى صبيحتها الدكتور عزيز فهمى إلى أن يسرع بالسفر من القاهرة إلى السويس، ويقصد ميدان القتال ويزور المستشفى ويواسى الجرحى، فى الوقت الذى تخلف فيه وزراء الحكومة عن أداء مثل هذا الواجب.. كان عزيز فهمى شاعرا ومحاميا ونائبا برلمانيا عن دائرة الجمالية عام 1951 وابن عبدالسلام باشا فهمى جمعة رئيس مجلس النواب من 1942 إلى 1944.
يضيف الرافعى، أنه فى نفس اليوم «4 يناير 1952» شهدت «أبوصوير» فى الإسماعيلية معركة بين الإنجليز والفدائيين، استشهد فيها محمد عبدالله على، وشعيب مصطفى على، وعبده محمد، وقتل من الإنجليز خمسة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة