خلال 7 أسابيع فقط على إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، قطعت الدولة شوطا فى تنفيذ الاستراتيجية بشكل مثّل مفاجآت لمن اعتادوا التعامل بتحليلات ثابتة مع المتغيرات، واستعمال قوالب ثابتة وجامدة فى بعض الأحيان، فقد استمرت تحليلات المحترفين تدور على أن شيئا لن يحدث، مع استمرار فرض شروط ووضع افتراضات تتوقع استمرار ثبات الأحوال، وفاجأهم إلغاء مد حالة الطوارئ، وهو أمر يمثل خطوة هائلة بعد ما يقرب من أربعين عاما متواصلة بقيت فيها حالة الطوارئ، وبعد إطلاق الاستراتيجية قضى المحترفون الوقت فى وضع شروط وافتراضات تستند للخارج أكثر من الداخل، وهؤلاء فاجأهم قرار إلغاء مد حالة الطوارئ، كما فاجأهم الكثير من الخطوات، بشكل أفقدهم توازنهم ووضعهم فى حالة رد الفعل.
إلغاء مد حالة الطوارئ قرار يشير إلى الجدية فى تطبيق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وإن بقيت بعض ردود الأفعال الجاهزة لم يتوقف أصحابها للتفكير والقياس ومعرفة أن كل مرحلة لها متطلباتها وظروفها، وأنه لا يمكن القياس فى الحاضر على الماضى أو القياس على ظروف وشروط فى بلد آخر فى مكان وزمان آخر.
بعض من تعاملوا مع إعلان الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان انطلقوا من مقدمة تتجاهل أن هذه القرارات تصدر بناء على معطيات محلية، وأن الدولة تتحرك بناء على ما يتحقق محليا فى مجال الأمن أو العمل الأهلى، ومن واقع الضرورات والظروف الموضوعية، وبناء على أن كل دولة لها ظروفها السكانية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية التى يفترض التعرف عليها لاتخاذ القرار.
مصر مثلا واجهت خلال 8 سنوات تهديدات إرهابية، تسبب مثلها فى تفكيك دول من حولنا، مع وجود تنظيم عدائى، كان وما زال يمارس التحريض على الإرهاب، ويتحالف مع أكثر التنظيمات دموية، إرهاب تسانده تمويلات ضخمة، ودول، وأجهزة، فضلا عن منصات إعلامية كانت ولا تزال تطلق الأكاذيب وتزيف المعلومات، بل إن ملف حقوق الإنسان تم توظيفه من قبل منظمات متحالفة مع الإرهاب، تحصل بعضها على تمويل من نفس جهات وشبكات تمويل الإرهاب، حيث تغلف تقاريرها فى أغلفة حقوقية، تدافع عن الإرهابيين باسم الاختفاء القسرى، ومع الوقت فقدت مصداقيتها مع ظهور المختفين المزعومين فى صفوف التنظيمات الإرهابية، داعش وأخواته.
مصر واجهت التهديدات الأمنية والإرهاب، وفى الوقت ذاته، سارت فى إعادة بناء الاقتصاد، والسياسات المالية، بإصلاح اقتصادى مؤلم، وواجهت التهديدات الخطرة مثل الفيروس الكبدى «سى»، الذى هدد - على مدار عقود - ملايين المصريين، كما واجهت العشوائيات الخطرة ونقلت سكانها إلى مجتمعات إنسانية وحضارية، مع إطلاق مبادرات متعددة وإنشاء مشروعات تعيد بناء البنية الأساسية وشبكة طرق عملاقة، ومشروعات قومية وعاصمة إدارية، ومدن الجيل الرابع، والعلمين وتأمين صحى شامل، مع مبادرة «حياة كريمة» التى تعيد صياغة الريف بما يسمح بتوسيع قدرة نصف سكان مصر على المشاركة فى التنمية وجنى ثمار الإصلاح.
وبعد انتهاء هذه المرحلة الصعبة، وصلت الدولة لدرجة من الاستقرار تسمح برفع بعض الإجراءات الاستثنائية والبدء فى إعادة بناء الإجراءات والتشريعات بما يتناسب مع مرحلة جديدة، تغيرت فيها المعطيات، كل هذا الحراك يقوم على خطط وقراءة للواقع وبرنامج محلى علمى، يراعى الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، ووصلت الدولة لحالة من الاستقرار تسمح بإلغاء الاستثناء، بما يمهد لمرحلة جديدة من العمل.
وبناء عليه، فإن قرارات الدولة المصرية فيما يتعلق بحقوق الإنسان تنبع من الداخل، فى الوقت الذى تتقدم فيه خطوة أخرى، ولا يفترض أن يتعامل معها بعض من اعتادوا الاعتماد على الخارج، بأنهم يمكن أن يفرضوا شروطا، أو يقدموا تحليلات جامدة وكليشيهات وقوالب، بل إن المعنيين بالاستراتيجية والقرارات هم من يتعاملون مع الحالة المصرية، ويريدون ممارسة عمل أهلى ومدنى شفاف، تكون فيها حركة الأموال واضحة، مقابل من اعتادوا انتظار الخارج بالرغم من أنهم جربوا سلوك الإخوان الذين راهنوا على كل أعداء مصر وخاب رهانهم.
الرئيس «السيسى» أعلن أن إلغاء مد الطوارئ هو للشعب المصرى الذى تفهم ما سبق وضحى وتحمل، وقدم أبناءه للدفاع عن الدولة فى مواجهة الإرهاب، وتحمل إصلاحا اقتصاديا صعبا، راهن الرئيس على الشعب وكسب الرهان، بينما يراهن محترفو الاتجار فى حقوق الإنسان على الخارج، وينتظرون نتائج مختلفة.