ربما تطغى الانتخابات العراقية، المرتقبة يوم الأحد المقبل، على الشأن الإقليمى والدولى، في ضوء المتغيرات الكبيرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وفى القلب منها الدول العربية، وعلى رأسها تداعيات الانسحاب الأمريكي، والذى تبقى بغداد جزء منه، حيث يبقى "كابوس" عودة داعش، أحد أهم التحديات، التي تساهم بصورة كبيرة في حالة تبدو "نادرة" من التعاون بين القوى العربية، ومنافسيها، في ظل ما قد تسفر عنه من تهديدات صريحة للأمن الإقليمى بصورته الجمعية، وللدول بشكل فردى، وهو الأمر الذى ترجمته قمة بغداد التي انعقدت في شهر أغسطس الماضى، لتمثل "سابقة" مهمة، يمكن البناء عليها، فيما يتعلق بتحويل الصراع إلى حوار، من شأنه تعظيم المصالح المشتركة، وتقليص الخلافات.
وهنا يمكننا تفسير الوجود العربى الكبير في الساحة العراقية، سواء فرديا، عبر مساع حثيثة من القوى الرئيسية في المنطقة، وعلى رأسها مصر، أو جماعيا عبر مظلة جامعة الدول العربية، في بغداد، للتأكيد أولا على هوية "بلاد الرافدين" العربية، وثانيا لحمايتها من التهديد المحدق بها، بعد سنوات الاستقطاب، بالإضافة إلى قيادة المنطقة بأسرها نحو حوار بناء، بعيدا عن لغة الصراع ، الذى تشهده المنطقة منذ عقود طويلة من الزمن دون جدوى، ليصبح العراق بمثابة خطوة، يمكن تعميمها، خاصة في دول الاستقطاب الاقليمى، والتي تعانى الأمرين إثر الأمد الطويل للحالة الصراعية التي هيمنت على المشهد السياسى لعقود.
فلو نظرنا إلى الانتخابات العراقية باعتبارها الحدث الأبرز، في المرحلة الراهنة، نجد أن الاهتمام العربى لا يقتصر على مجرد التغطية الإعلامية، أو المتابعة السياسية، لما سوف تسفر عنه، وإنما امتدت إلى المشاركة البناءة، عبر تقديم الدعم السياسي واللوجيستى، وهو الأمر الذى من شأنه إضفاء الشرعية الدولية المصبوغة بـ"الهوية"، على العملية الانتخابية برمتها، وهو ما يتجسد بصورة واضحة في بعثة المراقبة التي أرسلتها الجامعة العربية، باعتبارها "المظلة" الجماعية للعرب، والتي تهدف في الأساس إلى تقديم اعتراف عربى، والحشد لاعتراف دولى، بالحدث العراقى الهام، والذى تتزايد أهميته في ضوء المعطيات الدولية الراهنة، وحالة "إعادة" ترتيب المنطقة، في مرحلة الانسحاب، أو على الأقل الابتعاد المرحلى، من قبل الولايات المتحدة.
إلا أن الأمر في جوهره لا يقتصر على العراق، وإنما امتد إلى العديد من الدول العربية الأخرى، وإن لم يكن لافتا بنفس الدرجة في الحالة العراقية، بسبب ما تحظى به من زخم، للظروف السالفة الذكر، حيث يبقى الاهتمام بالعمليات الانتخابية في العالم العربى، خاصة من قبل "بيت العرب"، بمثابة أولوية كبيرة، وهو ما يبدو في الحرص الكبير على إيفاد بعثات للمتابعة، كان أخرها في المغرب، في شهر سبتمبر الماضى، وهو ما يرجع في جزء كبير منه إلى غلق الباب أمام القوى المتربصة، والتي تسعى إلى استغلال ما يمكننا تسميته "الترهل" الإقليمى، خاصة بعد "الربيع العربى"، عبر التشكيك فيما ستؤول إليه نتائج الانتخابات، لتحقيق مصالح قوى بعينها ومخططات، دخلت فعليا حيز التنفيذ منذ عقد كامل، ولكن أفسدتها إرادة الشعوب، منذ ثورة الـ30 من يونيو، والتي كانت بمثابة الشرارة للإطاحة بتلك المخططات.
الاهتمام العربى من الانتخابات لم يقتصر على مجرد المتابعة والمراقبة، وإنما امتد إلى تأسيس إدارة متخصصة في الشأن الانتخابى، داخل أروقة "بيت العرب"، بالإضافة إلى تنظيم ملتقيات دورية مع منظمات أخرى لتبادل الخبرات، وهو ما يأتي كنتيجة مباشرة، لحالة التزايد الكبير الذى شهدته الدول العربية، في العمليات الانتخابية خلال العقد الماضى، إثر حالة الفوضى السياسية، والتي ترتب عليها سقوط الأنظمة تباعا، وبالتالي تزايدت الحاجة إلى دور أكبر في دعم الدول، للمساهمة في استعادة الاستقرار في المرحلة المقبلة.
الحالة العراقية ربما تبدو استثنائية، في الكثير من الأبعاد، ولكن تبقى إمكانية قائمة بقوة، سواء فيما يتعلق بإرساء حوار إقليمى، من شأنه تقليص نطاق الصراعات، من جانب، أو ما يرتبط بتجربتها الانتخابية، من جانب أخر، ليتجلى من ورائها أبعادا مهمة للدور العربى، سواء فرديا أو جماعيا لدعم الدول، بينما تفتح المجال بصورة أكبر لتعزيز العمل العربي المشترك.