مع اتساع مواقع التواصل الاجتماعى وتضاعف أعداد المستخدمين أصبحت هناك أنواع من الجرائم تقع، من ضمنها التنمر أو القذف والسب أو الإساءة والتشهير، وفى كثير من الأحيان يكون الطرف المجنى عليه ضعيفا أو أنه لا يستمر فى الشكوى واتخاذ الإجراءات التى تحفظ حقه، وبسبب اعتقاد البعض فى صعوبة الوصول إليهم يجعلهم يتمادون فى جرائمهم أو مطاردة المجنى عليهم بالإساءة، لكن تحرك جهات التحقيق ومعاقبة المعتدين يضع فى يقين المعتدين أنهم تحت القانون، وقد أصبحت هناك طرق تقنية تسهل الوصول إلى الجناة حتى لو كانوا يستعملون المواقع بأسماء مستعارة أو مجهلة، وبالوصول إلى هؤلاء المعتدين ومعاقبتهم يعرف كل من يستعمل أدوات التواصل أنه ليس بعيدا عن تطبيق القانون.
وآخر القضايا كانت تعدى متهم على فتاة من ذوى الهمم، بعد نشر صور لزواج اثنين من ذوى الهمم، فتدخل المتهم وتعدى باللفظ على الفتاة وتنمر عليها، وكتب تعليقا قاصدا التنمر عليهما، وحاولت المجنى عليها إثناءه عن فعله فتعدى عليها باللفظ، ثم تواصل معه أحد المقربين من أسرتها بعد أن حصل على رقم هاتفه فتعدى عليه بالسباب، واستغاثت الفتاة بالنائب العام، على مواقع التواصل، وبالفعل تحركت وحدة الرصد فى النيابة العامة، وتوصلت إلى التليفون المستخدم، وهو ملك لشقيقة المتهم، وتم التوصل إليه والتحقيق معه، واعترف بارتكابه واقعة التنمر والتعدى، وقرر النائب العام حبس المتهم على ذمة التحقيقات، وسوف تستكمل النيابة تحقيقها وتتم إحالة المتهم إلى القضاء.
تحرك النيابة العامة فى هذه الواقعة يمثل تحولا مهما فى التعامل مع الجرائم التى تقع عن طريق مواقع التواصل، ويتم فيها ارتكاب أفعال تنمر أو سب وقذف، وهناك سوابق لمثل هذه الجرائم تحركت فيها سلطات التحقيق بشكل يحفظ حق المجنى عليهم، وفى نفس الوقت تضع المسؤولية القانونية على كل من يستخدم أدوات التواصل بما يجعل كل من يتعامل معها مدركا للمسؤولية وأنه قريب من يد العدالة، خاصة هؤلاء الذين اعتادوا التنمر على آخرين أو استخدام ألفاظ وشتائم تسبب ضررا نفسيا للمجنى عليهم، خاصة إذا كانوا من ذوى الاحتياجات الخاصة، أو حتى ممن ينشرون صورهم أو يمارسون حياتهم بشكل طبيعى، أو حتى يبدون آراءهم فى أى موضوع من دون أن يعتدوا على أحد أو يتجاوزوا القانون، مثلما فعلت الفتاة التى نشرت صور خطبتها أو زواجها وفوجئت بمن يتنمر عليها أو يتجاوز فى حقها.
وقد أرفقت النيابة قرارها بإحالة المتهم بديباجة مهمة أكدت فيها استمرار التصدى لهذه الظاهرة ـ التنمر والسب والقذف ـ وتشدد على عدم التهاون مع مرتكبى مثل تلك الوقائع من المتسترين «بحُجُب» مواقع التواصل الإلكترونى المختلفة، ممن يظنون أنهم سيفرون بفعلتهم فى عالم افتراضى يصعب البحث عنهم فيه، حيث أكدت النيابة العامة أن تطور آليات التحقيق فى العصر الحديث أتاح من السبل التكنولوجية المتقدمة ما يعين النيابة العامة وسائر الجهات المعنية على التصدى لمختلف صور الجرائم المرتكبة باستخدام التقنيات الحديثة، وأن النيابة العامة فى ظل استراتيجية التحول الرقمى تواصل متابعة الجرائم التى ترتكب بالتقنيات والتى يظن مرتكبوها أنهم بعيدون عن أيدى العدالة.
والواقع أن هذا التحرك من النيابة، وتوظيف التكنولوجيا فى التوصل لمن يرتكبون أفعال السب والقذف والتنمر، ويظنون أنهم بعيدون عن المحاسبة لمجرد أنهم يستعملون أسماء مجهلة أو مستعارة، هو تطور مهم يتماشى مع تطورات أدوات التواصل والتقنية، ويسهم فى معاقبة مجرمين افتراضيين اعتادوا الإفلات متخفين، وهنا يتم توظيف نفس التكنولوجيا فى مطاردة ومتابعة وضبط من يستعملون نفس الأدوات، وبشكل يجعل جهات التحقيق قادرة على مجاراة التطور التقنى ومواجهة جرائم كان مرتكبوها يفلتون استنادا إلى عجز لم يعد موجودا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة