قد تكون مصادفة.. أن يأتى احتفال طريق الكباش بالأقصر، بمشاركة مطربى الموسيقى العربية والأوبرا وإقبال الشباب والجمهور عليها، متزامنا مع مناقشة حامية وانقسام حاد متسع حول أفضل الطرق للتعامل مع نوع من الغناء المهرجانى، حيث اعتبر بعض أنصار المهرجانات أن دعم هذا النوع من الأداء أمر مهم، لكون المهرجانات تعبيرا عن فن، حتى لو كانت تطلق على المستمع أرطالا من الألفاظ والضجيج.
ولكى يبرهن أنصار المهرجانات على رأيهم، عمموا أن الجمهور والشباب والكبار والمتابعين يطلبون هذا الصنف بقوة، لأنه فن يعبر عن مكنونات المكنون الثقافى، اللافت للنظر أن بعض ممن يدافعون عن هذا الصنف من الغناء يفعلون هذا غيبا، من دون تكليف أنفسهم مجرد الاستماع إلى هذه الأغانى، وما تحتويه من مواد حارقة وألفاظ وعبارات وأسماء أعضاء وملابس، تجعل الشخص العادى يخجل أن يكتب أو يردد هذه الأصناف من الغناء، التى يصعب اعتبارها فنا، لما تحتويه من سب وقذف وشتائم وأوصاف.
والواقع أن الجمهور ليس كله ولا نصفه من زبائن هذه الأصناف، بل إن فرق الموسيقى العربية وحفلات الأوبرا، ومحكى القلعة وقنوات الغناء القديم والمعاصر، كلها تحظى بمتابعة ومشاهدة كبيرة من قبل الشباب، وهو ما دل على من يقدم فنا جذابا هم أيضا شباب ينتشرون فى فرق جوالة أو ثابتة، ويقدمون موسيقى مؤلفة، وليست مجرد حشو ودق وقفز. الأغلب أن أغانى المهرجانات مصممة لحالات ليست طبيعية، وقد نختلف حول الطرق الأفضل للتعامل معها أو تركها لمواقع التواصل أو اليوتيوب، الذى يستفيد من مشاهدات واستماع هذه الأصناف، وبالتالى لا يجد من مصلحته منعها، وقد يكون الحل، كما طرحه بعض الموسيقيين والخبراء، هو التعامل مع الكلمات البذيئة بالقانون، باعتبارها أوصافا ينطبق عليها قانون السب والقذف أو الاسترذال.
ثم إن لدى النقابات، بما فيها الصحفيون والممثلون والموسيقيون، من القواعد ما يمكنه محاسبة كل من يخرج عن الآداب أو يقدم مخالفة للقانون بأى شكل من الأشكال، وحتى مواقع التواصل نفسها فى العالم تخضع لقوانين النشر والتشهير، التى تعاقب على ترويج هذه الأصناف من البذاءة أو الشتائم.
لكن الحل الأكثر نجاحا هو السعى لتدعيم الإبداع الموسيقى والفنى والدرامى، بالشكل الذى يجعل هذا الفن متاحا على نفس منصات العرض، وبشكل واضح ومعلن يجعله قابلا للتداول بالتسويق والنشر، وهذا الأمر يساهم فى بناء الوعى، وتوسيع القدرة على الحوار، فالحديث عن التنوع وحرية الرأى والتعبير، يفرض وجود الثقافة بمعناها الواسع لتأخذ مكانها فى بناء الوعى، من الكتب والنشر والسينما والدراما والموسيقى والأوبرا والفن التشكيلى لتنمية الثقافة الجماهيرية، فالثقافة تتطلب منصات وأدوات منها الإعلام، ومعها أدوات التواصل ومنصات العرض، فى عالم تجتاحه التقنيات الحديثة والاتصالات، التى تجعل عملية بناء الوعى مسألة صعبة، لأنها تتعلق ببناء العقل القادر على التمييز والفرز.
ويفترض أن يتضمن المشروع الثقافى مع الثقافة والإعلام، التعليم والسياحة والآثار والتعليم العالى والبحث العلمى، وتربية الروح النقدية والثقة، خاصة وقد أصبحت أدوات النشر والتعبير أكثر اتساعا، وعالم أدوات التواصل يحمل أفكارا وشائعات ومعارك وهمية، ونميمة، لكنه أيضا يتيح إمكانات لنشر الثقافة، ولم يعد التأثير مثلما كان فى الماضى للإذاعة والصحف والكتب والسينما والتليفزيون بقناتين أو ثلاث، لكن منصات النشر والعرض أوسع وأعمق وتتسع أفقيا ورأسيا.
ربما نكون بحاجة إلى استراتيجية ثقافية لإنتاج ودعم وتسويق المحتوى الثقافى فى المسارح والسينما والإعلام، وأيضا منصات العرض الحديثة، التى تمثل مجالا أكثر اتساعا وربما تأثيرا، وهو يوتيوب أو مواقع التواصل التى يروج فيها الغناء السفلى، بينما يغيب عنه المحتوى الإبداعى، وعليه أن ينتقل من القاعات والحفلات المحدودة إلى منصات أصبحت تحت سيطرة الضجيج والصنف المضروب من الفنون.. هو فى الواقع صراع العملة الجيدة والرديئة على منصات العرض.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة