لم ينته العالم من كورونا، الفيروس الذى فاجأ العالم كله، وأربك برامج السياسة والاقتصاد، وبينما يبدو الفيروس التاجى مستمرا لفترة مقبلة، تبدو تأثيرات وانعكاسات الفيروس لتتجاوز الصحة إلى باقى 8 مليارات نسمة يسكنون الكرة الأرضية، ورغم الاقتراب من العامين على بداية الفيروس، عجزت أجهزة الاستخبارات والطب عن حسم منشأ الفيروس أو مصدره، بل إن الأمر يزداد غموضا فيما يتعلق بالتعامل معه أو حتى قدرة اللقاحات على إنهاء الأزمة.
ومنذ شهور أعلن الخبراء أن العالم ما بعد «كوفيد - 19» ليس هو نفسه قبله، ثم إنه أصبح تهديدا اقتصاديا أكثر منه طبى، ومع الموجة الرابعة يتواصل النقاش حول المستقبل القريب للجائحة، والوقت الذى يعلن فيه العالم نهاية الخوف، لكن الجديد الآن هو شبح الأزمة الاقتصادية التى تطل برأسها منذ شهور وتتبلور فى صورة تضخم مصحوب بمخاوف من قفزات فى أسعار الغذاء والوقود، ومع أن الأفق لا يحمل موعدا يمكن فيه إعلان الاطمئنان والعودة للحياة الطبيعية وإنهاء الإجراءات الاحترازية، تبدو الأزمة الاقتصادية العالمية وكأنها سحابة تطل من جديد.
ولم تعد الطفرات والمتحورات واللقاحات هى الشاغل الأهم، لكنها طفرات اقتصادية تعانى من أعراضها اقتصادات الدول الكبرى، والتى تسببت فى ارتفاعات كبيرة فى أسعار السلع الغذائية أو السلع الأخرى، بجانب ارتفاعات فى أسعار الطاقة خاصة فى أوروبا، مع استمرار التوقعات بأن الأزمة ستصل إلى جميع الدول بما فى ذلك الدول العربية، بسبب خلل فى سلاسل التوريد والإمداد، وتضاعف تكاليف الشحن.
فقد سجلت أسعار الغاز الطبيعى فى أوروبا 500 % ارتفاعا، ومعها ارتفعت أسعار السلع بنسبة 15 إلى 30 % فى بعض الدول، فى ظل توقعات بارتفاع التضخم لمستويات قياسية قد تصل بالعالم إلى ما يسمى الركود التضخمى وهو الخطر الأكبر، فقد أغلقت المصانع وتراجعت حركة التجارة مع كورونا، لكن مع فتح المصانع بدأ الطلب يتزايد على البترول وارتفع من 25 دولارا حتى 80 دولارا وتوقعات بالوصول إلى 100 دولار، ومعه مشتقات الطاقة. يضاف إلى ذلك التغير المناخى، واختلالات الطقس التى تسببت فى فيضانات وجفاف، فضلا عن حرائق الغابات، وكلها تسببت فى تدمير مساحات واسعة من الزراعات، والأهم هو تأثيرات كورونا على الإغلاق ثم الفتح وما يتبعه من طلب مع تراجع للمعروض لفترة.
وكشفت وزارة التجارة الأمريكية، أن التضخم السنوى ارتفع فى البلاد بأسرع وتيرة له منذ أكثر من 30 عاما، وذلك على الرغم من انخفاض الدخل الشخصى، وسجلت أوروبا معدلات تضخم هى الأعلى منذ 13 عاما فى أكتوبر 2021، فى ظل أزمة الطاقة، وبالطبع فإن انعكاسات الأزمة سوف تطال الدول النامية والفقيرة والاقتصادات الناشئة، ومنها الدول العربية، حيث نشر صندوق النقد العربى تقرير «آفاق الاقتصاد العربى»، وفيه توقعات بأن التخفيف التدريجى للقيود والانتعاش للنشاط الاقتصادى يرفع الطلب ومعه التضخم، كما تؤثر التقلبات المناخية على كم وأسعار المحاصيل الزراعية، ليتراجع العرض مقابل الطلب وترتفع الأسعار.
كل هذا يبدو انعكاسا لما بعد كورونا، واستمرار آثارها لفترة قد تستمر لما بعد انتهاء الفيروس، وهو أمر ما زال مستبعدا، لكن تأثيراته الاقتصادية والمالية سوف تستمر لفترة ربما يصعب تحديد نهايتها، خاصة فى ظل استمرار المنافسة، فضلا عن تراجع الإنتاج العالمى بسبب تغيرات المناخ، وهو ما يجعل الدول النامية أكثر تأثرا بالأزمة الاقتصادية المتوقعة، خاصة أن هناك مخاوف من أزمة فى الغذاء والحبوب، وصدور بعض التقارير عن عمليات تخزين للغذاء فى دول كبرى.
كل هذا يجعل تأثيرات فيروس كورونا أكثر عمقا واتساعا مما كان متوقعا، حيث تعيد تشكيل نظام اقتصادى عالمى يعيد التذكير بأزمات عالمية كبرى.
p