تقدم رواية "يعقوب"، للمؤرخ الدكتور محمد عفيفي عبد الخالق، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة سابقا، فنا جديدا يضاف للرواية التاريخية، يدخلك لعالم بين الحقيقة والخيال، والتوثيق والإبداع، وثنائيات ضدية وسيمفونيات دلالية لا تنطلق إلا من عاشق للغة والمخطوطات والوطن أولا وآخرا.
فقد اختار محمد عفيفي شخصية في حد ذاتها خلافية جدلية وتاريخية معا، هي المعلم يعقوب حنا (1745-1801) أو الجنرال يعقوب أحد الشخصيات التاريخية في القرن الثامن عشر، ثم أدخلنا في فخ التساؤلات هل هي سيرة ذاتية للمؤلف/ المؤرخ/ الكاتب أم قراءة جديدة لشخصية المعلم يعقوب؟
الرواية تدور حول شغف الباحث التاريخي الشاب عن يعقوب وعالمه، ورفض وتعنت أساتذته إجراء بحثه عن المعلم يعقوب الذي عرف في المخيلة الشعبية المصرية وتاريخ الحملة الفرنسية على مصر (1798-1801) بأنه خائن ساعد الاحتلال الفرنسي في جباية الضرائب الباهظة وشكل مع جنوده فرقة صغيرة حاربت مع الفرنسيين.. "ورقة صغيرة تسقط من مخطوطٍ قديم، مصادفة تُغيِّر حياة التلميذ؛ طيفٌ من الماضي يلاحقه عبر الأماكن والأزمنة والدراسات المختلفة، وحتى عبر الأشخاص".
من صعيد مصر لإكس إن بروفانس، من غرفة الاستقبال بالأنبا رويس إلى المكتبة الوطنية بباريس، رحلة بحث طويلة وراء الرجل "ذو الألف وجه"، أو صاحب اللا وجه؛ جنرال ملعون، مُباشر خائن، بطل قومي صاحب مشروع.. وجوہٌ عديدة كلما اقترب من أحدها تَكَشَّف له وجهٌ آخر، سرابٌ ممتّد!
ذهب صاحبنا إلى فرنسا لاستكمال رسالته المفروضة عليه أيضاً، وهناك يقابل فتاة لبنانية لتنشأ قصة حب، يأخذنا المؤلف طول الرواية العميقة في حكي وسرد صوفي بارع بحثا عن شخصية يعقوب الذي يصفه محمد عفيفي بأنه "حالف الشيطان"، مردداً مقولة "المجد لمن قال لا" بعدما أخذ الله منه الولد، وهنا يكفر بكل شيء، وتحل القسوة والجبروت حتى مع بابا الكنيسة، الذي كان ينقم على يعقوب وأفعاله، الذي تشبّه بالمسلمين وتزوج خارج أطر الكنيسة، بل اتخذ الجواري، ورفع السيف.
كل فقرة في الرواية إشكالية بداية ووسط ونهاية.. ما حقيقة اتصال يعقوب بالاحتلال الإنجليزي ومحاولة الاتفاق معهم حول مستقبل مصر واستقلالها عن الدولةِ العثمانية، وهي محاولة شاركه فيها معلم الفرنسية الفارس لاسكاريس، الذي تَرجمَ خطاباتِ الوفدِ المصريِّ للرُبَّانِ الإنجليزيِّ "الجنرال إدموندس". والمشترك بين لاسكاريس ويعقوب الموت بالسم. كلاهما مات مسموما.
وما حقيقة وجود علاقة غير طبيعية جمعت بين يعقوب والقائد الفرنسى ديسيه. "القمر بدرًا، لا حاجة للمشاعل أو لأي سراج منير؛ أخلاط من البشر، ترى بوضوح غلبة أصحاب البشرة البيضاء، مع بعض الوجوہ السمراء، يجلس في صدر المجلس جنرال له هيبة واضحة في عيون الجميع، لكن وجهه يتميز أيضًا بقدرٍ كبير من العذوبة، من الواضح أنه محط اهتمام وتودد الجميع؛ إنه الجنرال ديسيه".
122 صفحة فقط في عمل روائي هو الأول لمؤرخ كبير في عالم الأدب، لكن ابن شبرا كان منذ شبابه شغوفا بالأدب والدراما، ولا يزال جمرة تشتعل بالإبداع وفي جعبته الكثير والكثير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة