السياسة هي كل تفاصيل الحياة، فتعاملاتنا اليومية سياسة، وشراء الخضار والطماطم سياسة، وركوب المواصلات سياسة، واختيار سواقة الدراجات والسيارات سياسة، التعامل مع جيرانك فى العمارة وزملائك في العمل سياسة، بما يعني أن كل مسارات حياتنا الطبيعية هى تعبير عن السياسة التى تتخذها فى حياتك.
وفي تطبيق ما ذكرته، والداعي لذكري الحديث عن السياسة، هو أصدقاء ثلاثة لي فى العمارة التى أسكن فيها، هم أيمن وجورج وكرم، وكلا منهم له شخصيته المنفصلة التي تعبرعن واقع فى جوهره الحقيقى سياسة، فالأول تاجر قطع غيار سيارات عائد من مناطق الدفء الخاصة بالطبقة المتوسطة، قبل أن يتدهور به الحال ويجاورنا، وساعده على تقبل مسار حياته المتقلب، الطبع الشخصى الذى يميل الهزار فى معظم الوقت، بينما جورج خريج الفنون الجميلة، وصاحب شركة الدعاية والإعلان، شخص حالم جدا، ويبحث عن الفضيلة فى وقت اختفت فيه كل معايير ما يرجوه، ويحتفظ بمساحة تؤمنه نفسيا فى الدين وواجبه المجتمعي، ورغم أحلامه الكثيرة وسعيه الدائم، الا أنه مازال فى واقع العمارة التى لا يستطيع مغادرتها حتي الآن، وصديقنا الثالث محمد كرم، شخص موجود وقتما تريده فهو ابن حي عابدين، الذى يذكرك بالأصحاب الجدعان فى المسلسلات، لكنه للأسف طوال الوقت غير موجود بسبب طبيعة عمله، يمكنك أن تتعلق به فى أول مرة تقابله، ولذلك توافق معنا جميعا.
اجتمعنا نحن الأربعة وفق قدر وظروف هيأت لنا السكن فى العمارة بمشاكلها الضخمة فى شكلها، الفارغة فى مضمونها، ورغم أننا ضمن سكان يبلغ عددهم 65 جارٍ وتوجه، إلا أننا مشينا معا فصرنا أصدقاء دون أن نعرف بعض بالشكل الكافى، لكن هناك دائما هاجسا داخليا هو ما يجمع الناس عموما وجمعنا نحن، ولذلك حضرت السياسة فى جلساتنا القليلة نسبيا، فالسياسة هي التي تكمل ما ينقصنا.
ورغم تعارض توجهاتنا وقراءتنا وحكاوينا، إلا أنه وقت حضورنا حضرت السياسة، والسياسة ليست شأن عام وحديث عما يحدث على مستوى الدولة، لكن السياسة فى الحقيقة تدور حول مشاكلنا الشخصية وطموحاتنا وأحلامنا، وتلك الأماني ليست مرتبطة بسن معين، وبيننا سنوات كثيرة، ولكنها مرتبطة برغبة حقيقية فى أن نكون أصدقاء، لذلك كلما زاد الحديث بين الناس ذابت الفروق وزاد القرب بينهم، أو تعرفوا على بعض أكثر فقرروا ألا يستكملوا طريقهم، ولذلك أيضا فالسياسة هي التى تقرب الصفوف وتدعمها، وتفرز الناس وتحيدهم وتعزز دورهم وتجنبهم، والسياسة هي التي تدفع الناس دفعا لاتخاذ القرارات والعدول عنها، ولذلك فلا ضرر من القول بأن السياسة والكلام هي جزء هام من الصورة العامة للدولة، وأي دولة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة