صناعة المجد والتاريخ ليست أمرًا سهلًا على الإطلاق، ولكنها تحتاج إلى صانع قرار يملك رؤية حقيقية وصائبة، يرى بها ما لا يراه أحد، فعندما صنع أجدادنا حضارتنا المصرية القديمة، كانوا على يقين بأنها ستعود بالنفع على أحفادهم من بعدهم، وهذا ما حدث بالفعل، فنحن الآن نجنى ثمار صنيعهم، وهذا ما يجعلنا نتساءل دائمًا: لماذا لا نستطيع أن نستكمل ما فعله أجدادنا؟ ولماذا لا نصنع حضارة جديدة؟ ولماذا لا نبتكر كما ابتكروا؟ كل هذه الأسئلة وغيرها كانت في بال كل منا إلى وقت قريب، ولكن ما نراه على أرض الواقع الآن يجعلنا نتيقن أننا بدأنا صناعة مجد جديد لمصر، انطلق منذ أن تم الإعلان في مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري يوم 13 مارس 2015، عن إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة.
فهذا المشروع (العاصمة) ليس مجرد مجموعة من الأبنية المتراصة بعضها بجانب بعض كما يقول ويتصور البعض، ولكنه يهدف في الأساس إلى تطوير القاهرة وتحويلها إلى مركز سياسي وثقافي واقتصادي رائد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال بيئة اقتصادية مزدهرة تدعمها الأنشطة الاقتصادية المتنوعة وتحقيق التنمية المستدامة لضمان الحفاظ على الأصول التاريخية والطبيعية المميزة التي تمتلكها القاهرة، وتسهيل المعيشة فيها من خلال بنية تحتية تتميز بالكفاءة.
كما أن المشروع ليس مجرد رسومات على لوحات هندسية فقط أو حبر على ورق، ولكنه حلم متكامل الأركان ينفَّذ على أرض مصر المحروسة، فالدولة عندما اتخذت قرارها ببناء مشروع عملاق يساعد على التخلُّص من عوائق التطوير مثل الزحام وتكدُّس العاصمة بأبنية المصالح الحكومية، وضعت دراسات كثيرة لتهيئة الحياة الجديدة على الوضع الجديد.
ولم تنسَ الدولة العاملين المنتقلين للعمل بالعاصمة الإدارية الجديدة، حيث تم طرح مجموعة من الوحدات السكنية ضمن مشروع "سكن مصر" بمدينة بدر، ووافق مجلس الوزراء على برنامج دعم وتيسيرات للموظفين الراغبين فى الحصول على هذه الوحدات، كما تمت الموافقة على تيسيرات فى السداد، كما أن الدولة منحت الموظف الحق في عدم الحصول على الوحدة السكنية فقامت بإعطائه بديلًا عن ذلك حافزًا ماليًّا "بدل انتقال" يستخدم لسداد تكلفة التنقلات.
والسؤال الذى قد يفكر فيه البعض، كيف يذهب الموظف أو من يريد إنهاء أوراقه في مصلحة حكومية ما إلى العاصمة الإدارية؟ وللإجابة علي هذا السؤال نقول إن الحكومة عندما تطرَّق اجتماع مجلس الوزراء الأخير إلى وسائل النقل الجماعى لربط القاهرة الكبرى بالعاصمة الإدارية، تمت الإشارة إلى أنه تم الانتهاء من إعداد خطة شاملة لربط القاهرة الكبرى بالعاصمة الإدارية بعدد 16 حزمة، تضم 48 خطاً، بإجمالى 192 أتوبيساً، سيتم تنفيذها على مراحل، هذا بالإضافة إلى مشروعات النقل الجماعى الجارى تنفيذها تيسيراً لحركة التنقلات، ومنها مشروع القطار المكهرب، ومشروع "مونوريل" العاصمة.
كما سيطرأ على الأذهان سؤال آخر وهو: هل هناك خدمات متاحة للموظفين المنتقلين للعمل بالعاصمة الإدارية الجديدة مثل مدارس لتعليم أبنائهم أو أندية رياضية؟ ونقول نعم فقد حرصت الحكومة على توفير سبل معيشية متكاملة للموظفين حيث سيكون هناك مجموعة خدمات تنفذ بمنطقة إسكان الموظفين بمدينة بدر، مشروع "سكن مصر"، والتى تتضمن إقامة حضانتين، ووحدتين صحيتين، ومدرستين للتعليم الأساسى، إلى جانب إقامة مدرسة للتعليم الثانوى، وسوق مركزية، بالإضافة إلى ثلاث أسواق صغيرة نموذج 8 محلات، وكذا تنفيذ مخبزين، وملعب خماسى.
كل هذه الخدمات وغيرها تساعد على تهيئة حياة كريمة لجميع الموظفين المنتقلين إلى مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، مما يعود بالنفع عليهم في توفير الوقت في المواصلات وتهيئة حياة نفسية سوية يستطيعون من خلالها إنهاء مصالح المواطنين بكل يسر، فهذا المشروع العملاق ليس مجرد مدينة، بل هو ما يجعنا نتذكر وصف سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، عندما قال خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، وهو يتحدث عن افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة، بأنه إعلان جمهورية جديدة وميلاد دولة جديدة، فنحن يا سادة نصنع مجدًا جديدًا يتوارثه الأبناء.. تحيا مصر