عندما تسرى الرحمة فى عروق الإنسان، فإنها لا تفرق بين الحيوانات والبشر، فالكثير منا يمتلكون مساحة ليست قليلة من الرأفة تجاه الإنسان والحيوانات، وهذا تحديدا ما جسدته قصص السيدات المصريات اللاتى أثبتن للعالم بأن الرحمة لا تختار صاحبها.
"داليا" سيدة ينطبق عليها مثل "الراحمون يرحمهم الله"
قطة ملقاة فى القمامة، وتتأوه من الألم كأنها إنسان، كانت هى نقطة البداية التى انطلقت من خلالها «داليا» لرعاية الحيوانات، خاصة القطط والكلاب المصابة بالعمى والشلل، المشردة فى الشارع، حيث اصطحبتها إلى الطبيب البيطرى، وبدأت معها رحلة علاج طويلة حتى شفيت تماما، وبعدها عرضتها للتبنى، ولكنها مؤخرا قررت امتلاك مكان مخصص لتلك الحيوانات.
داليا
تعمل داليا بكر مدرسة للرسم، فى إحدى مدارس محافظة المنيا، ولديها مشاعر ليست قليلة من الرأفة تجاه الحيوانات، خاصة القطط والكلاب، لذا قررت الاهتمام بشكل خاص بالعديد من قطط وكلاب الشارع المصابة بالعمى والشلل، وسعت جاهدة لامتلاك مكان يحفظهم من الشارع، وبدأت العناية بـ15 حيوانا منها، حتى وصل عددها فيما بعد إلى 45 حيوانا، وظلت الأعداد تتزايد لتتراوح بين 80 و100 حيوان، خاصة بعد حصولها على المكان، وتتنوع أنواع الحيوانات بين الشيرازى والذى تم تسريبه، وتلك التى لديها حالة خاصة.
تقول «داليا»، لـ«اليوم السابع»: «منذ فترة تتجاوز الـ9 سنوات كنت أسعى للاهتمام ومساعدة القطط والحيوانات المصابة بالعمى والشلل، وعرضها على الطبيب المتخصص، وبعد رحلة العلاج، أنتقل للبحث عن متبنٍ خوفا من تركها إلى الشارع مرة أخرى».
وتابعت: «فى البداية نفذت فكرة الجروب كوسيلة مساعدة لكى أتواصل مع الناس التى تمتلك فى قلوبها الرحمة بالحيوان، لأنه لا يقل أهمية عن الإنسان، وواجب علينا الاهتمام به والحفاظ على روحه من الهلاك، وكنت أسعى للهدف الأساسى وهو الحصول على متبنين، ولكن بشروط حفاظا عليهم من البيع أو التسريب أو وضعهم فى دار استضافة، وبكون حريصة على التطعيمات».
وأضافت، أنه بعد فكرة الجروب فكرت فى توفير مكان خاص، وتحت إشرافى لكى أستطيع أن أحتفظ فيه بالحالات العاجزة التى تحتاج إلى رعاية، ويصبح مأوى لهم، فعرضت الفكرة على مجموعة من أصدقائى محبى الحيوانات، وأخبرتهم أن نساهم مع بعضنا البعض فى الإيجار والعمالة، وأن يتركوا الباقى لى، وأنا سأقوم برعاية المكان، ورغم أن الأمر كان مرهقا بدرجة كبيرة، سواء ماديا وجسديا، إلا أنه ممتع جدا، عندما تشعر بأنك توفر الأمان لروح لا حول لها ولا قوة».
"عبير" تحدت ظروفها المادية وأنقذت «صفية» من الضياع
رغم ضيق الحال وبساطة «نصبة الشاى» التى تعد مصدر دخلها الوحيد للإنفاق على أبنائها الأربعة، لم تفكر السيدة عبير رفاعى كثيرا قبل قرارها بإيواء فتاة يتيمة تخلى عنها خالها، فقررت ضمها إلى بيتها وكلها يقين بأن «الرزق على الله».
تقول «عبير»، إنها تعيش مع زوجها، ولكنه لظرف ما لا يقوم بمساعدتها فى إعالة الأسرة، لذلك اضطرت فى البداية إلى العمل فى بيع الورود فى الشارع، ومنذ ثلاثة أعوام قامت بإنشاء نصبة لبيع الشاى والمشروبات الساخنة فى الشارع، فى محاولة منها زيادة دخل أسرتها، ولكن الظروف زادت صعوبة مع كورونا، ولم تعد النصبة تفى باحتياجات الأسرة ومتطلبات علاجها، حيث إنها مريضة سكرى.
وتضيف: «حصلت لى حادثة عربية من كام سنة، اتسببت فى آلام فى العمود الفقرى، وأقعدتنى على كرسى متحرك، ما بقيتش عاجزة لكن ما بقدرش أتحرك بسلاسة»، وتابعت: «بابدأ العمل على نصبة الشاى من 3 عصرا حتى منتصف الليل، وبين الحين والآخر يقدم لى البعض المساعدات، خاصة فى شهر رمضان».
وتؤكد أنها المسؤولة عن مصروفات البيت بأكملها، ونصبة الشاى لا تدر أكثر من ثلاثين جنيها خلال اليوم الواحد، متابعة: «قبل الحادثة كنت باخدم فى البيوت، واشتغلت فى مصنع، وقبلها فى شركة عشان أدبر مصاريف البيت».
رغم حالها الصعب، إلا أن هذا لم يمنعها عن العطف على المحتاجين، وتقول: «لو جالى حد عفيف اليد وطلب مشروب مش معاه تمنه باديه له مجانا، الرحماء يرحمهم الله»، للسبب نفسه قررت عبير إيواء صفية وحمايتها من الشارع، فتحكى صفية التى تبلغ من العمر 17 عاما، إن السيدة عبير أوتها على الرغم من ضيق حالها، ذلك بعدما تركت منزل أسرتها بسبب سوء معاملة أهلها، خاصة بعد وفاة والديها.
وتضيف «صفية» أنها عملت خادمة فى كثير من المنازل، ولكنها لم تشعر بالارتياح، لأنهم كانوا يعاملونها بجفاء، حتى تعرفت على السيدة عبير عن طريق إحدى السيدات، كانت قصدتها لتوفر لها عملا، وهنا أصرت عبير على أن تأخذها معها، وتؤكد أنها أصبحت بمثابة أم ثانية لها، فلا تشعر بغربة عنها، وتقيم معها وتعمل معها لتعينا بعضهما على أعباء الحياة.
أرملة الإسكندرية.. الحب يولد من رحم المعاناة
"اللى من غير أم حالته تغم"، مثل شعبى لم يشعر به يوما أبناء رجل تزوج من سيدة اختارت أن تربى أولاده الثلاثة بعد وفاته لمدة 24 عاما، فرغم أن والدتهم ما زالت على قيد الحياة، إلا أن الحاجة سامية السيد سهرت وربت أبناء زوجها.
قصة بها الكثير من الحب والعطاء تسرد سطورها الحاجة «سامية»، زوجة الأب، المقيمة بمحافظة الإسكندرية، وقالت فى حديثها لـ«اليوم السابع»، إنه بعد وفاة والدتها كانت تعيش بمفردها، وخلال تلك الفترة تقدم عريس لخطبتها.
وتضيف: «رتبت إحدى صديقاتى موعدا لرؤية العريس، فنلت إعجابه، وبعدها طلب مقابلة أخرى، وتم تحديدها وفوجئت بأن لديه 4 أطفال، واحدة منهم تعيش مع أمها، وقتها كان عمرى 30 سنة تقريبا، وشغلتنى الحيرة بين الرفض والقبول».
وتتابعت: "تشاورت مع أهلى، وورفض أخى الأكبر هذه الزيجة وكان مبرره أن مسؤولية تربية الأطفال كبيرة، ولأنهم 3 أطفال تتراوح أعمارهم بين 4 و10 سنوات، تملكنى الخوف والرفض، لكنى تراجعت وفكرت فى الموضوع مرة تانية، وقبلت الزواج من السيد محمد عبدالكريم، وعاهدت الله بأن أكون لهم أما، مش مرات أب".
وتقول: "عند دخولى المنزل أو عش الزوجية، رأيت الأطفال فاتن وكريم ومحمود لأول مرة، فشكرت الله أنى قبلت الزواج منه، وقضيت فترة طويلة من الوقت معهم لم أنجب فيها، وفى الحقيقة لم يشغل تفكيرى، لأنى عاهدت الله أنهم أولادى، وبعد إلحاح شديد من زوجى وإخواتى ذهبت لأكثر من طبيب، ولكنى لم أنجب أطفالا وشكرت الله فى كل الأحوال".
وتضيف الحاجة «سامية»، أن زوجها توفاه الله بعد 10 سنين من الزواج بها، لافتة إلى أنها استكملت رحتلها التى بدأتها باختيارها، قائلة: «توفى زوجى ووقتها شعرت بأن الدنيا كلها اسودت فى عينى، وعشت أياما كانت أصعب أيام حياتى، وقتها طلب منى إخواتى أن أترك الأولاد والبيت وارجع أعيش معهم، ورفضت وسعيت للمعاش، لكن كانت المفاجأة أن المعاش 50 جنيها، يعنى لا حول لنا ولا قوة، عشان كذا قررت أنزل أشتغل، وعمرى ما حسيت إنهم ولاد زوجى، بالعكس دايما كنت باحس إنهم أولادى»، وتؤكد أنها بعد وفاة زوجها عاشت كل مشاعر الأمومة تجاههم من قلق وتوتر، وكان يجب أن تسعى لتربيتهم، وسعت لكسب الحلال حتى تتمكن من الإنفاق عليهم حتى كبروا.
وعن زواج فاتن وتسليمها لعريسها، قالت: «الحمد لله ربنا أكرمنى وجوزتها وبقيت جدة، وعندى كريم ابنى الكبير بالرغم من جوازه وإنه ساب البيت، لكن يوميا بيكون عندى عشان يطمن عليا ويشوف طلباتى».
وتحكى الحاجة سامية، عن أكثر الصعوبات التى واجهتها، قائلة: «أكتر حاجة قهرتنى وكسرت قلبى موت محمود الكبير»، وتتابع: «كان خاطب وداخل على جواز، سبت له الشقة بتاعتى، وأجرت مكان على قد الإيد، لكن للأسف مات محمود وخد معاه الفرحة، ربنا يبارك فى إخواته».
وتحدثت الحاجة سامية عن أحلامها قائلة، إنها تتمنى أن تؤدى عمرة وزيارة بيت الله الحرام، وأنها لا تطلب أى شىء سوى من الخالق، لأنها ستشعر وقتها أن الله سبحانه وتعالى قد أكرمها كرما عظيما.
وهنا التقطت فاتن محمد عبد الكريم ابنة زوج السيدة سامية أطراف الحديث، قائلة: «الأم هى اللى ربت مش اللى خلفت، وماما سامية هى أمى الحقيقية، هى اللى كبرت وربت وعلمت وشالت همنا، ودايما باحس بخوفها عليا وعلى إخواتى»، وأنهت فاتن، حديثها قائلة: «ماما سامية هى أمى الحقيقية وباتمنى من الله عز وجل إنها تحصل على زيارة بيت الله الحرام، لأنها من الأمهات اللى تستحق إن قصتها تدرس».