فى مثل هذه الأيام قبل 8 سنوات، لم يكن أكثر الناس تفاؤلا يحلم بأن تتغير صورة مصر من الارتباك إلى الاستقرار، مع نظرة واعدة للمستقبل تحمل طموحات ظلت مجرد أفكار وأحلام، تراوح مكانها.
كانت الصورة مخيفة، داخليا وإقليميا وخارجيا.. اقتصاد منهار، واحتياطى متآكل، وأزمات فى الخبز والوقود، وبنية أساسية متهالكة، والأخطر تهديد واضح لوحدة الشعب والدولة، بعد محاولة قصيرة لشطب تاريخ وحضارة، وتحويل مصر إلى إمارة من القرون الوسطى، ضمن نماذج لم تكن مجرد فزاعات، لكنها تجارب لدول تعرضت لهدم نواتها الصلبة وإدخالها فى حروب بالوكالة وصراعات طائفية وعرقية.
تنظيم الإخوان استغل حالة الارتباك السياسى والاجتماعى والاقتصادى، وأسفر عن وجهه، ووجد المصريون أنفسهم لأول مرة بعد عقود مهددين فى هويتهم، بجانب اقتصادهم، وشؤونهم مرهونة بإرادة مرشد فى الداخل ومرشدين فى الخارج، وتبعية اختيارية لدول وأجهزة، أسرارهم مستباحة، ووطنهم فى مهب الريح، عداء تاريخى للنواة الصلبة مع رغبة فى الانتقام والتفكيك، بجانب وضع اقتصادى ورئيس بلا برنامج أكثر من مجرد رهن قرار المرشد فى دولة بحجم مصر للخارج، مع الإطاحة بأبسط قواعد العمل السياسى.
استشعر المصريون الخطر وخرجوا ليرفضوا حكم المرشد، وتابعيه فى الداخل والخارج، كانوا يعرفون أنهم يواجهون جماعة أخطبوطية اعتادت أن تتسرب وتتعامل بوجهين وخطابين، سرقت إرادة الشعب بعد يناير، وحملتها إلى مجهول وخدعت الجميع بوعود عائمة سرعان ما تراجعت عنها، متاهة جماعة الإخوان نجحت فى شق دول وتقسيم أوطان، وإشعال حروب أهلية، وفى مصر سعت الجماعة إلى تفتيت النواة الصلبة للدولة، ثأرا من الجيش والشعب اللذين رفضا مخططات التنظيم العالمى.
استشعر الشعب الخطر، وانتبه إلى حضارة آلاف السنين، قرر المصريون تغيير واقعهم، وحل المعادلة الصعبة، بأن يحافظوا على الدولة، وينطلقوا للأمام، ويتخلصوا من تراكمات عقود، تحرك المصريون وهم أمام اختبار وجودى، تهديدات من الشرق والغرب والجنوب.
المصريون شعب مسالم، تنتفض عند استشعار الخطر على الدولة وعلى المستقبل، واثقين فى قدراتهم، وفى جيش الشعب، الجدار الذى لم يخذلهم ولم يتخل عنهم، ومثلما حرس الدولة والشعب بعد 25 يناير، عاد ليقوم بدوره، الجيش هو القوة التى تحمى ولا تهدد، يحمى الشعب والدولة منذ آلاف السنين، الجيش بقيادة المشير عبدالفتاح السيسى، قدم نموذجا تاريخيا للجيش الوطنى الذى لا يتخلى عن مهامه فى حماية مصر وشعبها وأمنها بالداخل والخارج، بلا تردد وبشجاعة وإخلاص، أعلنت القوات المسلحة انحيازها للشعب، ورفض أى محاولات للتهديد والتخويف، فى صورة أذهلت العالم، عشرات الملايين فى الشوارع بالقاهرة والمحافظات، ترفض حكم المرشد، وتطالب باستعادة إرادة الشعب.
وفى 30 يونيو كان الخطر أكبر، تنظيمات إرهابية تستعرض قوتها، وجماعة وتنظيم سرى فى تحالف مع جهات ودول وأجهزة، تستهدف مصر ووحدتها وشعبها، مع اقتصاد ضعيف، وعلاقات إقليمية ودولية تعزل مصر عن محيطها.
اختار المصريون الطريق الأصعب، مواجهة التهديدات والأخطار داخليا وخارجيا، وحل المعادلة الصعبة التى بدت مستحيلة، لم تكن رحلة سهلة، والمصريون أقرب لأبطال الأساطير عليهم عبور الجبال السبعة والبحور السبعة ومصارعة الوحوش، إرهاب من الشرق والغرب، وفقر وعشوائيات، وأن ينتصروا على الوحوش ويعبروا البراكين والبحيرات المسمومة.
الأسطورة المعاصرة، إرهاب يفجر ويحرق ويقتل، ويطلق الشائعات ويستهدف نفسية المجتمع، ويزرع الشك فى أن تستطيع هذه الدولة أن تستعيد قدرتها.
والرهان كان إذا حاولت مصر أن ترمم اقتصادها وتبنى قدراتها الداخلية وإصلاح الداخل اقتصاديا واجتماعيا، لن تجد فرصة لبناء قوتها العسكرية والسياسية والخارجية، أو تأثيرها الإقليمى، ما يجعلها دولة ضعيفة فاشلة أو منكفئة على نفسها سنوات، الوقت ضيق والتحديات متعددة، إرهاب متربص، واقتصاد منهار يفتقد إلى ثقة المنظمات الدولية، كهرباء مقطوعة، أزمات فى الوقود والخبز، بنية أساسية متهالكة، بطالة، عشوائيات تحزم القاهرة والمحافظات، فيروس الكبد الوبائى يلتهم أكباد المصريين، خارجيا، مصر معزولة، مع دول وأجهزة تسعى لبسط نفوذها والتدخل فى أمن مصر القومى شرقا وغربا وجنوبا.
المفارقة أن مصر اختارت الطريق الأصعب، ونجحت وسط ذهول المراقبين بل والأعداء أن تحل المعادلة الصعبة.
عندما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، لم يقدم وعودا بالرخاء، قدم تشخيصا أمينا للوضع داخليا وخارجيا، وهو تشخيص بدا وقتها صادما ومثيرا للقلق، لكنه أيضا أعلن أنه يتحمل المسؤولية ويثق فى قدرة الشعب المصرى على التحمل والصبر، بدا الرئيس السيسى صادما، مع تصميم على حل المعادلة الصعبة، درس كل الملفات بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة وأعد الخطة مستندا للشعب، لم يلتفت لتحذيرات من تراجع شعبيته، أو ضعف الإمكانات.
أعاد الرئيس الشعور بالطمأنينة، رغم صعوبة الأوضاع، لكنه أكد ثقته فى الشعب المصرى ومؤسسات الدولة، التى صمدت على مدى سنوات فى مواجهة أكثر المخططات خطرا، وأشدها إيلاما، كان المجتمع يغرق فى الشك وينظر للمستقبل بخوف وتردد.. لكن الرئيس زرع الأمل، وتعهد أن أحدا لا يمكن أن يهدد الشعب المصرى، أو يفرض عليه غير ما يريده.
لسان حال المراقبين والمتابعين أن ما يقدمه الرئيس السيسى هو مجرد أحلام يقظة، والسؤال «من أين يمكن أن تأتى التمويلات والأموال مع اقتصاد متهالك؟».
واجهت مصر الإرهاب والفقر والعشوائيات وانقطاع الخدمات الأساسية والعزلة الدولية، والبنية التحتية المتهالكة فى وقت واحد، بدأت عملية الحماية والأمن والبناء، لم يكن الهدف هو فقط إبقاء الدولة المصرية، لكن دفعها للأمام بقفزات، أقرب لمعجزة.
راهن الرئيس على الشعب فى أخطر وأكبر عملية إصلاح اقتصادى، تعويم الجنيه، وإنهاء ازدواج سعر العملة، وتعديل سعر الوقود وإعادة هيكلة الدعم، مع علاج سريع للأعراض الجانبية، من خلال أوسع برامج للحماية الاجتماعية والتمويل المباشر، معاشات تكافل وكرامة، مع نقل سكان العشوائيات إلى مجتمعات حضارية تتضمن خدمات وملاعب ومستشفيات ومدارس، مع مدن وإسكان اجتماعى، ومشروعات لإعادة بناء الطرق والبنية الأساسية ومدن حديثة، ومناطق صناعية.
فى نفس الوقت كانت مصر تواجه إرهابا نجح فى إسقاط دول، تم تحييد وإسكات مصادر الإرهاب والتهديد، وعادت مصر آمنة، فى نفس الوقت كان الرئيس يعلن عن مبادرة علاج وإنهاء الفيروس الكبدى «سى»، بالمجان، ثم مبادرة «100 مليون صحة»، بالتوازى مع بناء محطات كهرباء عملاقة، نقلت مصر من الظلام إلى عصر تصدير الكهرباء.
خارجيا، انتقلت مصر من دولة معزولة، إلى مركز للتأثير إقليميا ودوليا، واجهت الصراع فى ليبيا نحو حل سياسى يتجه بالأشقاء إلى الاستقرار، تدخلت لوقف العدوان على الفسلطينيين بمبادرات حظيت بثقة دولية، وأعلنت تمويل الإعمار، ودعم المصالحة الفلسطينية.
عربيا، تلخصت رؤية مصر فى السعى لترميم العلاقات العربية، وتقوية التعاون والحوار، وخلق موقف عربى قادر على التدخل فى المشكلات العالقة، وإسكات وتحييد مصادر التهديد، فضلا عن توسيع أطر التعاون، بالشكل الذى يفتح الباب للتنمية، وإزالة تراكمات سنوات الضياع والارتباك التى هددت الدول وأطاحت بفرص البقاء والاستقرار والأمن قطريا وإقليميا.. أفريقيا، استعادة العلاقات مع الدول الأفريقية، ودعمت علاقاتها مع أوروبا وأمريكا واليابان والصين وروسيا، حتى صارت القاهرة محل ثقة للتدخل والحل.
الآن، بعد 8 سنوات على ثورة 30 يونيو تحولت الصورة، انتهى الإرهاب بتضحيات وصمود وبطولات أبناء الشعب من الجيش والشرطة، استعاد الاقتصاد قوته والثقة الدولية، صمد بينما اهتزت اقتصادات دول كبرى مع كورونا.
ما يشبه المعجزة، ومع كل هذا البناء، تطل فى الأفق عاصمة إدارية جديدة وحديثة ومدن من الجيل الرابع، تمثل رمزا لقدرات الدولة المصرية على هزيمة الإرهاب والفقر والمرض والعشوائيات وأزمة الطاقة وتقوية النفوذ الإقليمى، والانطلاق نحو مستقبل لأبناء الشعب.
من حق الشعب المصرى أن يشعر بالفخر لأنه غيّر مجرى التاريخ فى ثورة 30 يونيو، والرئيس عبدالفتاح السيسى يقود مؤسسات الدولة وهو أحد أبناء هذا الشعب، متسلحا بـ«الشجاعة والثقة والإخلاص».