من حيث المكان والتوقيت، تمثل زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي، للعاصمة العراقية بغداد، خطوة بالغة الأهمية والتأثير ثنائيًا وإقليميًا، ليس فقط لأنها الزيارة الأولى التى يقوم بها رئيس مصرى للعراق منذ 30 عامًا، لكن أيضًا لما تمثله الزيارة من تأكيد لسياسة مصر لدفع استعادة العراق لمكانته الإقليمية، الزيارة تمثل ثمرة لجهود بذلت على مدى السنوات الأخيرة، لبناء أساس لتحرك عربى، يمكن حال تطوره أن يمثل إحدى مهام إعادة التضامن العربى وتجاوز سنوات من الارتباك باتجاه فعل عربى قوى.
الرئيس عبدالفتاح السيسي، أكد موقف مصر الداعم لوحدة العراق، ومساندته لجهود استعادة الأمن والاستقرار به، والحرص على تعزيز دوره القومى العربى، ودعم الشعب العراقى فى كل المجالات، على المستوى الثنائى، أو فى إطار آلية التعاون الثلاثى مع المملكة الأردنية، دعمًا للتعاون، والعمل العربى المشترك، فى إطار سياسة مصر القائمة على ترسيخ وحدة الصف بهدف تحقيق الاستقرار والتقدم لجميع الأشقاء.
العلاقة بين الشعبين المصرى والعراقى لها طبيعة خاصة شعبيًا ورسميًا، تقوم على الامتزاج والود والتعاون، مع تشابه ثقافى وحضارى، منذ عاش المصريون فى العراق منذ السبعينات، وكان لوجودهم طبيعة خاصة، وبعد الغزو الأمريكى للعراق، ظلت مصر وجهة مهمة للكثير من العراقيين، اعتبرهم المصريون أهل بيت، ونفس العلاقة بين المصريين والأردنيين على مدى عقود.
هذه العلاقات الشعبية تسهل تقوية العلاقات الدبلوماسية والسياسية، خاصة مع سعى مصر والدولتين الشقيقتين إلى بناء تعاون وتنسيق سياسى إقليمى فاعل، وأيضًا تعاون اقتصادى وتجارى يعود على الدول الثلاث، ويمثل التنسيق الثلاثى المصرى العراقى الأردنى، قاعدة لتأسيس موقف عربى يمكن أن يلعب دورًا إقليميًا وعربيًا فاعلًا، مع استعادة العراق لدوره بما يتناسب مع موقعه وتاريخه وقدراته، ومصر أصبحت تمتلك رصيدًا من الثقة الإقليمية والدولية، لسياستها التى أكدها الرئيس عبدالفتاح السيسى، تقوم على احترام السيادة والدولة الوطنية، والحوار وخفض التوترات والصراعات، ودعم الحلول السياسية.
وتستند السياسة المصرية الإقليمية على نزع فتائل التوترات والانخراط فى حوارات سياسية وإبعاد التدخلات الخارجية، وتدعيم الدولة الوطنية، والحوار بدلًا من الصراع، هذه السياسة بدت بعيدة قبل سنوات، اليوم تظهر ثمارها، وتنعكس فى ليبيا على السعى إلى حل سياسى بعد سنوات من الصراع وتوسع الميليشيات والتنظيمات الإرهابية، اليوم هناك حوار سياسى بدا بجهود استطاعت أن تحرك جمود القضية الليبية، وحققت ما لم تحققه المساعى الدولية، بل إنها انعكست فى إقناع المجتمع الدولى بالرؤية المصرية التى تظهر أيضًا فى الاتجاه نحو التهدئة على جبهات ظلت مشتعلة فى سوريا، وربما اليمن، وهناك الكثير من الخطوات والمبادرات تجرى الآن على محاور الحوار، وتقريب وجهات النظر لانتزاع فتائل التوتر على جبهات ساخنة.
زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى، للعراق، استكمال لعلاقات تم بناؤها على مدى السنوات، وتعززت باتفاقات اقتصادية وتجارية، ولجان مشتركة، فضلًا عن تنسيق المواقف العربية والإقليمية بشكل يدعم نظرية الفعل العربى، بديلًا عن انتظار أفعال وحلول من قوى كبرى هى نفسها مشغولة بقضاياها ومنافساتها.
بدأت جهود بناء التعاون الثلاثى بين مصر والعراق والأردن منذ مارس 2019، وتنمو بشكل متواصل، وتمثل مشاركة الرئيس السيسى، فى قمة بغداد للتعاون الثلاثى، أحد مظاهر هذه الثمار، والبناء على ما تحقق خلال القمم الثلاث السابقة وتقييم التطور فى مختلف مجالات التعاون، ومتابعة المشروعات الجارى تنفيذها، بالإضافة إلى تعزيز التشاور السياسى بينهم حول سبل التصدى للتحديات التى تواجه الوطن العربى ومنطقة الشرق الأوسط.
هناك الكثير الذى يمكن أن يقدمه التنسيق الثلاثى بين مصر والأردن والعراق، ويمثل خطًا إقليميًا مهمًا بعد مرحلة من الارتباك امتدت لأكثر من عقدين، بعد الغزو الأمريكى الذى أثر على التوازن الإقليمى، بسبب ما واجهه العراق، والذى بلغ ذروته فى محاولة داعش انتزاع مساحات إقليمية لإقامة دولة الخلافة الوهمية، اليوم استعاد العراق سيطرته، ويواصل مساعيه لاستعادة مكانة مهمة فى سياق التوازن الإقليمى، وهو ما يمكن أن يتحقق بالتعاون والتنسيق مع مصر والأردن والدول العربية.
الرئيس عبدالفتاح السيسى، يؤكد دائمًا، دعم مصر للدولة والحكومة فى العراق، وهو دعم يقوى الثقة فى الدولة العراقية، وهو ما يبدو من تصريحات الرئيس العراقى برهم صالح، تأكيدًا لعمق الروابط التى تجمع بين البلدين الشقيقين، وحرص بلاده على الارتقاء بالتعاون مع مصر إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، لمصلحة الشعبين الشقيقين، وحجر أساس للحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمى وإعادة التوازن للمنطقة، وذلك فى ضوء الأهمية المحورية لمصر إقليميًا ودوليًا.
ولم تبخل مصر فى تقديم تجربتها المهمة فى التنمية للأشقاء، وقد أعلن الرئيس برهم صالح، عن تطلع العراق إلى الاستفادة من التجربة المصرية الناجحة فى تنفيذ المشروعات التنموية والإصلاحات الاقتصادية الشاملة، فضلًا عن الاطلاع على الجهود المصرية الحثيثة فى مكافحة الإرهاب والتطرف، من خلال زيادة التواصل والتنسيق بين المؤسسات التعليمية والثقافية والدينية فى البلدين.
هذه الزيارة، لها تأثير مهم على دعم الاستقرار فى العراق، وأيضًا تقوية عمل إقليمى فاعل يعيد التوازن للمنطقة، ضمن استراتيجية واضحة، لاستعادة سياسة الفعل الإقليمى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة