حضور السيدة الأمريكية الأولى جيل بايدن، لحفل افتتاح أولمبياد طوكيو، يمثل انعكاسا للأهمية الكبيرة التي توليها الولايات المتحدة للحدث الرياضى الهام، ليتجاوز طبيعته كمناسبة رياضية يلتقى فيها أبطال العالم في كافة الألعاب الأولمبية، إلى مناحى سياسية هامة، في إطار العديد من القضايا المثارة حاليا على الساحة الدولية، خاصة في آسيا، والتي تشهد حالة من الزخم، إثر التوتر الذى شهدته العلاقات الأمريكية اليابانية خلال حقبة الإدارة السابقة، والارتباك القائم بين طوكيو وسول، ناهيك عن الصعود الصينى الكبير، إلى الحد الذى وضع بكين في مدار القوى الدولية المتنافسة لمزاحمة واشنطن على عرش النظام الدولى، بالإضافة إلى الملف الكوري الشمالى، والذى شهد قفزة كبيرة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، بينما يشهد حاليا حالة من الجمود، ربما تعيده إلى المربع الأول.
إلا أن الدفع بزوجة الرئيس الأمريكي، لتقود وفدا دبلوماسيا أمريكيا، ربما ليس غريبا من الناحية الشكلية، خاصة وأنها ليست الواقعة الأولى من نوعها، فقد سبقها ميشيل أوباما، ولورا بوش، وغيرهما، إلا أنه من الناحية العملية يمثل رسالة هامة، إذا ما وضعنا في الاعتبار حساسية الملفات، من جانب، وطبيعة المرحلة الراهنة، والتي تشهد مخاضا، ينبئ عن ميلاد نظام دولى جديد، وبالتالي تبقى الحاجة ملحة لتشكيل تحالفات جديدة، ربما تتوارى معها التحالفات القديمة، والتي ارتبطت بحقب من الماضى، على غرار الحرب الباردة، وما تلاها من نظام دولى أحادى القطب، تهيمن عليه باقتدار الولايات المتحدة، دون أدنى منافسة، سواء من أوروبا الغربية، والتي لعبت دور "المحلل" للقيادة الأمريكية للعالم، أو روسيا التي شهد دورها خفوتا بالغا بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، أو الصين، التي كانت مازالت قوى اقتصادية صاعدة، لا تسعى للقيام بدور سياسى كبير.
ولعل الرسالة التي أرادت واشنطن أن تقدمها للعالم عبر الحضور الدبلوماسي، برئاسة زوجة الرئيس، تقوم في الأساس على فكرة إعادة التقاليد الأمريكية إلى مسارها الطبيعى، أو بتعبير أدق "إعادة الاعتبار" للسيدة الأولى، وذلك بعد سنوات من التهميش، لصاحبة اللقب السابقة، ميلانيا ترامب، والتي لم تقم بدور سياسى كبير، خلال حقبة زوجها، والذى ارتكز في اعتماده على شخصيات أخرى، رأها أكثر فاعلية على القيام بأدوار دبلوماسية محددة، على غرار نائب الرئيس السابق مايك بنس، والذى لعب دورا بارزا في التقارب الأمريكي مع كوريا الشمالية، عبر مناسبة مشابهة، وهى الأولمبياد الشتوية التي عقد في كوريا الجنوبية في 2018، أو ابنة الرئيس إيفانكا، والتي جابت العالم شرقا وغربا، للقيام بأدوار فاعلة، في العديد من الملفات.
عودة السيدة الأولى، في صورة جيل بايدن، يحمل في طياته رسائل مهمة للداخل والخارج، أهمها تمسك الإدارة الحالية باستعادة حالة الزخم التي ترتبط بالعديد من التقاليد الأمريكية، والتي ربما شهدت، في الكثير منها، تراجعا ملحوظا في حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب، والذى لم تنجو علاقته مع زوجته ميلانيا من التلاسن الإعلامى، وهو ما بدا واضحا في ترصد الكاميرات للزيارات للحظات وجودهما معا، وردود أفعالها تجاهه، وذلك منذ يوم تنصيبه، وهو ما ترجمته الصحف آنذاك في مقارنات عدة بين علاقة أوباما بزوجته، من ناحية، والعلاقة بين ترامب وميلانيا من ناحية أخرى.
وتمثل حساسية الملفات السياسية، والتي تشهدها قارة آسيا في المرحلة الراهنة، في ظل الرغبة الأمريكية الجامحة في تقوية العلاقة مع الحلفاء، وتأسيس تكتل يمكنه مجابهة صعود بكين، نقطة فارقة، في الدور الذى قد تلعبه السيدة الأولى في المستقبل، فيما يتعلق بالدبلوماسية الأمريكية، خاصة وأننا مازلنا في بداية حقبة بايدن، والذى ربما يتجاوز دور أسلافها، وهو ما يطرح تساؤلات حول إمكانية التداخل بينها وبين مسئولين أخرين، على غرار وزير الخارجية، أو نائبة الرئيس، والتي كان اختيارها هي الأخرى لخوض معترك الرئاسة فارقا، باعتبارها أول امرأة تدخل البيت الأبيض في هذا المنصب، وهو ما فتح الباب أمام توقعات بدور قوى لها داخل أروقة السياسة الأمريكية في سنوات بايدن، بل وتجاوز الحديث تلك النقطة، ليدور حول تأهيلها للوصول إلى مقعد الرئيس في المستقبل القريب.