فى رواية "غربة المنازل" اقتحم الكاتب الكبير عزت القمحاوى فترة زمنية عاشها الكوكب الأزرق، فترة لا يمكن نسيانها، لم يتقمص فيها شخصية الراصد لمحنة العالم التى عشناه ولا زلنا، بل مزج بين الواقع والفانتازيا فى رواية توحى للوهلة الأولى من غلافها بزمن تحن إليه أجيال كثيرة، بعدما اخترقته التكنولوجيا وغيرت ملامحه.
الكاتب الكبير عزت القمحاوى، كشف خلال حديثه مع "اليوم السابع"، عن أنه بدأ كتابة الرواية منذ ثلاثة أعوام، حينها كان يفكر فى أن إحدى شخصيات رواية "غربة المنازل" ستكون رواية بمفردها، لكنه حينها وجد "خشونة فى الكتابة فشعرت بأن هناك مشكلة، إما أن الفكرة لم تنضج بداخلى، أو أننى لن أكتب هذه الرواية على الإطلاق، ولهذا تركتها"، ومن هنا "ولدت نصوص كتاب "غرفة المسافرين" وبعدما انتهيت منه غرفة المسافرين مباشرة عاد مشروع الرواية يخايلنى من جديد، ولكنها فى النهاية خرجت فى شكل آخر تماما".
رواية غربة المنازل للكاتب عزت القمحاوى
حينها وجد "القمحاوى" أن ملامح هذا الشكل الجديد هى أن "فكرة الرواية الأصلية تقلصت، وأصبح بطلاها إحدى حكايات "غربة المنازل"، ودخلت فى هذه المرحلة فى عزلة كورونا، فكان وقت الكتابة والمراجعة أثناء هذه العزلة، وكان لا بد أن تظهر ظلالها فى الرواية، لكنها مجرد ظل خفيف التقى مع عالم الرواية، حيث الكثير من الشخصيات ممسوسة بالعزلة بدون الحاجة إلى وباء عالمى يجبرها على ذلك".
وخلال هذه السنوات عاش عزت القمحاوى فى "مجتمع بكامله، فلا نستطيع القول بأن هناك بطلا واحدا للرواية أو عددا محدودا من الأبطال، فالبنية متوازنة فى عشرة فصول، وفى الفصل الأخير تلتقى مصائر الشخصيات، أما العمارة الروائية أو البناء الروائى فمختلف فى هذه الرواية عن رواياتي السابقة، حيث أن الروابط بين الشخصيات شديدة الرهافة، تحتاج إلى نوع من المشاركة الفعالة لدى القارئ لاكتشافها".
وفى رواية "غربة المنازل" التى صدرت عن الدار المصرية اللبنانية بالتزامن مع معرض القاهرة الدولى للكتاب 2021، عاش الكاتب الكبير عزت القمحاوى مع شخصيات "كل منها لديه هوسه الخاص، فالفكرة هى أن كل شخص قبل العزلة كان لديها ما يشغله أو يمنعه من عيش حياته بصورة طبيعية، فهناك المؤرخ العائش فى التاريخ، وهناك الباحث فى علوم الحشرات الذى أنفق 27 عاما من عمره فى دراسة الذباب ومحاولة تهجينه لإنتاج ذباب صامت، وخطورة الذباب فى إقباله على القمامة والعسل والفاكهة بنفس النهم، السعى لإنتاج ذباب لا ينقل العدوى".
وهناك أيضا "حارس المول، الذى اكتسب مهارة شديدة جديدة فى عمله، بحيث أصبح يستطيع كشف أكثر وأغرب أنواع السرقات خفاء التى لا يمكن للأجهزة الإلكترونية كشفها، ما جعله يثق بقدرته فى الإمساك بفيروس كورونا وألاعيبه".
وهناك أيضا "طبيب النساء الذى ظل أعزبا حتى الستين من عمره، دون مخالفته لقسم أبو قراط فى مقاربة النساء، إلى أن زارته مريضة شابة وجعلته يبدأ حياة جديدة مختلفة تماما بعد الستين"، وهناك أيضا، "طعمة" بوابة العمارة وزوجها، والتى تبنى صورتها على مدار الرواية، فكل شخص يقدم وجهة نظر عنها، مختلفة إلى حد التضارب، وهي أحد الروابط بين شخصيات الرواية، حيث تدور الأحداث بشكل أساسى فى إحدى العمارات قديمة الإنشاء، فى حي كان مصنفا باعتباره راقيا، إلى جانب شخصيات أخرى من خارج العمارة، كما أن السرد لا يتعلق بأحداث أو علاقات بين السكان، لأن كل منهم لديه عزلته ولديه إنشغالاته الوجودية الكبيرة.
هذه الشخصيات عايشها عزت القمحاوى "منذ زمن.. فكل شخصية لا بد لها من جذر واقعى يساعد على إقناع القارئ فى مشاركة الكاتب لعبته، فجميع الشخصيات فى الرواية لها حضور واقعى، إلى جانب الفانتازى والساخر أيضا".