كل بيت فى مصر يعيش معارك الثانوية العامة أكثر من مرة، الاختيار بين العلمى والأدبى، والدروس الخصوصية، ثم تأتى معركة الامتحانات، وتتبعها معركة النتائج والمجاميع، أما المعركة الكبرى ففى اختيار الكلية والدراسة والمستقبل.
المصريون بكل مستوياتهم يبذلون جهدهم ويضحون ويسهرون ويخصمون من احتياجاتهم من أجل تعليم أبنائهم، وبعد الثانوية العامة والامتحانات والدرجات يأتى اختيار الكلية المناسبة، وهل تخرج طالبا يمكنه الالتحاق بسوق العمل.
بعد إعلان نتائج الثانوية هذا العام اختفت المجاميع الضخمة والدرجات النهائية، وهى ظاهرة ارتبطت بأزهى عصور الدروس الخصوصية والكتب الخارجية والملخصات، مجاميع ضخمة تخرج من يضافون إلى مئات الآلاف من الجامعيين المتعلمين، وبعد رحلة مرهقة يجد الشاب نفسه بحاجة إلى رحلة أخرى للبحث عن فرصة عمل توفر استقرارا وفرصة للترقى الطبيعى فى المجتمع، وبعد كل هذا الجهد لا أولياء الأمور ولا الطلاب يرتاحون بعد المشوار الطويل أمام سوق عمل غير واضح، يضاعف من الشعور بغموض المستقبل.
«كليات القمة» لقب ظل على مدى عقود يطلق على كليات الطب والصيدلة والأسنان والهندسة، وخلال العقود الأخيرة جرت تغييرات على شكل الجامعات والتخصصات وظهرت تخصصات مطلوبة فى سوق العمل ترتبط بالاتصالات أو التقنيات الحديثة، فهل لا تزال كليات القمة «فى القمة»، وهل يضمن خريجو هذه الكليات الذين يتضاعفون سنويا فرصة لبناء حياة مريحة ومستقرة ومزدهرة ترضى متطلباتهم؟ وهل تمثل التخصصات الجديدة خيارات أفضل؟ لقد ظهرت تخصصات مثل كليات التمريض والعلاج الطبيعى والطب المرتبط بالتخصصات الطبية، وتقدم فرصا أفضل لخريجيها، بل إن التخصصات الفنية المتوسطة هى أيضا مطلوبة فى سوق العمل مثل التخصصات الجديدة والتى لم تكن موجودة من قبل.
كل خريجى الثانوية العامة يدخلون الجامعات من خلال مكتب التنسيق، وعندما يخرجون إلى سوق العمل لا يحصلون على فرص عمل بتخصصاتهم، بينما تظهر فرص لا تجد من يشغلها، وبالرغم مما يوفره نظام مكتب تنسيق القبول بالجامعات من عدالة شكلية لا يضمن للشاب الحصول على مكان أفضل، المجاميع لا تترجم إلى مراكز يمكن توظيفها لتطوير المجتمع وشغل المراكز المهمة.
مكتب التنسيق يتيح القبول أمام الجميع على أساس المجموع، وتتحدد كليات القمة والقاع من دون دراسة، هناك تخصصات لا يحتاجها سوق العمل، ويتكدس خريجوها أو يضطرون لتغيير مسارات حياتهم بتدريب ودراسة أخرى تساعدهم على اصطياد فرصة عمل، كل هذا يعنى أننا أمام نظام تعليمى عاجز عن تلبية حاجات الشباب والمجتمع، وأن نظام التعليم والتنسيق بحاجة الى إعادة صياغة تنهى واقع أن الجامعات تصب سنويا عشرات الآلاف من الخريجين بلا عمل.
كليات القمة التقليدية كالطب والصيدلة والهندسة لم تعد أبوابا للعمل، ومجرد محطات تتطلب المزيد من المهارات، طالب الطب يحتاج سنوات وأموالا ليواصل تعليمه ودراسته، خريج الهندسة لم يعد هو نفسه خريج السبعينيات الذى يحصل على عمل فور تخرجه، عندما كانت حركة البناء والتوسع والسيارات والتكييفات تتطلب المهندسين، والفنيين من خريجى الدبلومات الفنية، وهى تخصصات تراجعت مع إهمال المدارس الفنية وتحويلها إلى أماكن للفاشلين فى الإعدادية تمنح شهادات بلا تعليم أو تدريب.
اليوم هناك إعادة إحياء لمعاهد فنية ومهنية، تمثل ضرورة لتلبية احتياجات المجتمع الصناعى، وهناك حاجة للتوسع فى تخصصات فنية وصناعية، يمكن أن تجد لها مجالا للعمل فى ظل ما يمكن توقعه من توسعات فى التنمية، وحتى فيما يتعلق بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، فإن الكثير من الشباب يكون لديهم الاستعداد، ويعجزون عن وضع دراسات جدوى ومعرفة طريقهم للمشروعات المطلوبة فى السوق.
لم يعد مكتب التنسيق وكليات القمة نهاية المطاف، بل إن خريطة العمل اليوم تغيرت، السوق أصبح ضيقا وأعداد الخريجين أكثر كثيرا من الوظائف المطلوبة، حتى أصحاب التخصصات لا يعملون فى تخصصاتهم، الطبيب يمكن أن يتجه للسياحة، والمهندس إلى التجارة، والمحاسب إلى الكمبيوتر، وأغلب النماذج البارزة فى عالم البيزنس والعمل الحر لا أحد يعرف تخصصاتهم العلمية.
وربما لهذا كان تطوير التعليم ضرورة تفرضها تحولات عالمية ومحلية، نظام القبول بحاجة إلى عناصر من الدرجات والقدرات، وخرائط تتيح الاختيار للشباب فى عمل يمكنهم من تحقيق ذواتهم، ولهذا فإن قضية التعليم أكثر من مجرد درجات وتنسيق، بل تبدأ من إعادة النظر فى كل هذا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة