التجديد ليس سبة، ولا يجب أن نشعر بالخوف عندما نتحدث عنه، بل هو أمر ضرورى ولازم، وذلك لأن الثبات والوقوع فى غرام القديم لن يتحرك بنا إلى الأمام خطوة واحدة، كما أن كلمة التجديد لا تعنى "نسف" القديم، ولكنها تقصد تعديل زاوية الرؤية، وهو ما يمكن أن نطالب به وبشكل دائم فى الخطاب الثقافى.
لقد تغير كل شىء فى الثقافة، وأهم المتغيرات أصابت وسائل الوصول إلى القراء والمتلقين، فلم تعد المكتبات الثابتة ولا حتى المتنقلة هى الوسيلة الوحيدة للمعرفة، ولم تعد ندوات المناقشة هى السبيل الوحيد للتواصل بين صناع الثقافة، لقد تعددت الوسائل حتى لا نستطيع أن نحصرها بدقة، وبالتالى وجبت هنا الإشارة إلى "المحتوى".
صار سهلا جدا أن تصل إلى المتلقى حتى لو فى قرية بعيدة، ولكن ما الذى ستقدمه له، وهنا وجبت الإشارة إلى القدرة على اختيار المناسب للمجتمع والبيئة، بحيث يتحرك به للأمام، وفى الوقت نفسه لا يصنع له قطيعة مع بيئته.
إن دور الثقافة هو صناعة الوعى وهو ما لا يجب الاستهانة به أو التقليل منه، لأن المجتمعات لا تتحرك إلى الأمام إلا مصحوبة بوعى "مستقبلى" يحلم للغد ويسعى لتنفيذ ذلك، ولزاما أن يكون ذلك محاطا بالثقافة، وبالتالى فإن الدعوة لتجديد الخطاب الثقافى ليس معناها مهاجمة السابق ولكن معناها عدم الوقوف عند الأطلال والبكاء بين يدى الماضى.