كانت الساعة التاسعة صباح 7 أغسطس، مثل هذا اليوم 1964، حين عقد المجلس العسكرى جلسته لمحاكمة الضابط السابق، المقدم زغلول عبدالرحمن، الملحق العسكرى فى لبنان، الذى هرب إلى سوريا، حسبما تذكر جريدة «الأخبار» فى 8 أغسطس 1964.
كان الخلاف بين مصر وسوريا محتدما منذ انقلاب 28 سبتمبر 1961 فى دمشق على الوحدة المصرية السورية، وفى 22 أغسطس 1962 عقد مجلس جامعة الدول العربية اجتماعا فى «شتورا» اللبنانية لبحث شكوى «دمشق» مما قاله عبدالناصر فى خطابه احتفالا بالذكرى العاشرة لثورة 23 يوليو 1952: «ونحن نحتفل بأعيادنا ننظر إلى الشعب السورى فى الإقليم الشمالى - سوريا - للجمهورية العربية المتحدة، فهل تمكنت الرجعية؟ وهل تمكن الاستعمار؟ أو هل تمكنت أموال الراشين والمرتشين من أن تقضى على روح الشعب السورى؟».
استمر اجتماع شتورا عدة أيام، ووفقا للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل: «تحول مؤتمر شتورا إلى مناسبة للتشهير بمصر، وأعدت الأطراف المشاركة ما بدا لها أنه ضربة قاضية لأى محاولة مصرية للرد، فقد استطاعت أسرة «أبوالفتح» وكان أحمد أبوالفتح أنشط أفرادها فى هذه الفترة إقناع المقدم زغلول عبدالرحمن، وهو من أقرباء أسرة «أبوالفتح» بالنسب المباشر، وكان يشغل وظيفة الملحق العسكرى فى بيروت - حتى تلك اللحظة - بأن يترك منصبه فى بيروت ويتوجه إلى «شتورا» حيث يظهر فجأة، وبطريقة مسرحية أمام مجلس الجامعة العربية ليدلى بشهادته عن عمليات «التخريب» المصرى فى سوريا، وفى غيرها من البلاد العربية».
غير أن الدكتور أحمد صلاح الملا فى بحثه «اجتماع شتورا، أغسطس 1962» بمجلة «بحوث الشرق الأوسط، العدد 45»، يؤكد، أن «زغلول» عقد مؤتمره الصحفى يوم 28 أغسطس 1962 فى نادى الضباط بدمشق، تحت رعاية قائد الجيش السورى، ورغم أنه لم يقدم فيه معلومات ذات أهمية كبيرة، فقد حظى بتغطية إعلامية واسعة، حيث قدمت صحف سوريا فى اليوم التالى تفاصيل كثيرة حول حياته الشخصية والمهنية، يضيف «الملا»: «لعل الغريب أنه من ضمن هذه التفاصيل كانت ثمة معلومات عن علاقة عبدالرحمن بمحمود وأحمد أبوالفتح، اللذين كانا يقودان آنذاك نشاطا معاديا لعبدالناصر فى الخارج من خلال مجموعة «مصر الحرة».
ينقل «هيكل» من مذكرات اللواء عبدالكريم زهر الدين، قائد الجيش السورى بعد الانفصال: «بقى زغلول فترة لا بأس بها فى دمشق، وسافر بعد ذلك إلى أوروبا ولم نسمع عنه شيئا»، يضيف «هيكل»: «بدأ زغلول يشعر أنه تورط بأكثر مما أراد لنفسه، وبعد فترة من الزمن تخبطت فيها تحركاته بين روما وباريس ولندن قرر أن يعود إلى القاهرة، ويسلم نفسه».
فى يوم 7 أغسطس 1964 بدأت محاكمته علنيا، لكن لم يحضر الجلسة سوى مشاهد واحد وشقيقه والصحفيين، تذكر «الأخبار» أنه حضر من السجن الحربى مرتديا ملابس مدنية - بدلة رمادى - وعلى عينيه نظارة، ويحمل دوسيه باسم «أوراق القضية»، ومنها قرار الاتهام، وكان اللواء عبدالمنعم حسن حسنى هو رئيس المجلس، وقرأ الادعاءات ضد المتهم، وكانت: الهروب من الخدمة العسكرية أثناء خدمة الميدان بهروبه من مقر عمله فى لبنان يوم 27 أبريل 1962، وظل هاربا إلى أن سلم نفسه للسلطات المصرية فى فبراير 1965، وكان الادعاء الثانى، سحب أموال أميرية فى عهدته بلغت 194 ألفا و51 ليرة لبنانية، والادعاء الثالث: لعب القمار والاستدانة من الأجانب، ما يتنافى مع شرفه كضابط، أما الادعاء الرابع فكان سعيه وتخابره مع المسؤولين فى دولة أجنبية، والادعاء الخامس، أنه حصل من جهة سوريا ولبنان على 120 ألف ليرة لبنانية و20 ألف دولار بقصد ارتكاب عمل ضار بالمصلحة لمصر، أما الادعاء السادس فكان اشتراكه فى فعل جنائى مع المدعو أحمد فهمى وآخرين لارتكاب أعمال إجرامية، والادعاء السابع كان ارتكابه بطريق الجهر بالقول علنا التحريض على قلب نظام الحكم فى مصر، والادعاء الثامن، أنه عقب التجائه إلى سوريا سلم للمدعو أحمد أبوالفتح وهو ممن يعملون لمصلحة دولة أجنبية، ملفات ووثائق تعتبر من أسرار الدفاع بقصد الإضرار بمصلحة البلاد، وأخيرا اتهامه بأنه قبل الالتجاء إلى القوات المسلحة السورية برتبة عقيد فى حالة الحرب بين سوريا والجمهورية العربية المتحدة «مصر».
سأله رئيس المجلس بعد تلاوة كل ادعاء: «مذنب؟ أم غير مذنب؟»، وكان يجيب: «مذنب» وكان رئيس المحكمة يراجعه: «أنت فاهم الكلام ومقدر معناه، ومعنى كل شىء على حدة؟»، فيجيب: «نعم» وفى ختام الادعاءات سأله: «أنت تجيب ومقدر المسؤولية؟»، أجاب: «نعم مقدر»، سأله رئيس المجلس: «هل عينت محاميا؟»، أجاب: «مافيش داعى، القضية واضحة وأنا مذنب»، فرد عليه رئيس المجلس: «لكن المجلس يرى ضرورة تعيين محام أو صديق للدفاع عنك حرصا على سير العدالة»، وتأجلت المحاكمة إلى 12 أغسطس 1965.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة