"منتدى شباب العالم".. ملتقى دوري بات يحظى بحالة من الزخم السياسي، ليس في مصر وحدها، وإنما في العالم بأسره، حيث يمثل فرصة مهمة للدولة المصرية لتقديم رسائلها إلى العالم، سواء بصورة مباشرة، من خلال ما سوف يتم طرحه من موضوعات ومبادرات من شأنها تقديم الرؤية المصرية، في العديد من القضايا الدولية، في ظل أزمات كبيرة باتت تهدد العالم، تتجاوز في خطورتها الصراعات التقليدية التي طالما هيمنت على المشهد الدولي لعقود، في ظل طبيعتها غير المحدودة، سواء زمنيا أو جغرافيا، على غرار وباء كورونا، وظاهرة التغيرات المناخية، أو بصورة غير مباشرة، عبر الحضور وانطباعاتهم، وشهاداتهم، حول ما آلت إليه الأمور في "الجمهورية الجديدة".
وللحقيقة، فقد صار الحدث العالمي، بالإضافة إلى كونه "فكرة" مصرية خالصة، فإنه يمثل أحد أهم أذرع الدبلوماسية الناعمة، التي تتبناها الدولة المصرية، للتواصل مع العالم، عبر تحقيق التواصل مع العالم، بصورة تتجاوز البعد الرسمي، عبر أبعاد أخرى إضافية، أهمها خلق علاقة بين المصريين وشعوب العالم، وبالأخص قطاع الشباب، باعتباره، وقود المجتمع، ومصدر حيويته ونماءه، ليصبح الحوار، وتبادل الخبرات بين كافة الأطراف، بمثابة الوسيلة التي يمكن من خلالها استلهام الأفكار الجديدة، ناهيك عن تقديم مختلف الرؤى ومناقشتها، في حضور القيادة السياسية، والتي تتسم بانفتاحها على كافة الأفكار والرؤى التي من شأنها تحقيق قفزات كبيرة في مختلف المجالات اقتصادية كانت أو ثقافية، أو تكنولوجية أو غيرها، وهو ما يبدو في حجم المشروعات العملاقة التي أنجزتها، ومازالت تنجزها، الدولة في غضون سنوات قليلة.
إلا أن ثمة جانبا ملفتا، ربما لا ينتبه إليه الكثيرون، فيما يتعلق بالمنتدى وانعقاده الدورى، وهو "استباقية الرؤية والتطبيق"، حيث تبقى مصر أول دولة تطبق هذه الرؤية، والتي جعلت المنتدى بمثابة كيانا "مكملا" لـ"الأمم المتحدة"، عبر حضور ممثلين من كافة دول العالم، أو على الأقل الغالبية العظمى منها، بينما يبقى المشهد متحررا إلى حد كبير، من الغطاء الدبلوماسي الرسمي، في ظل حوار حقيقي بين المشاركين من مختلف الدول لعرض خبراتهم.
وهنا تظهر أهمية ما يمكننا تسميته بـ"المشهد الشبابي الأممي"، من خلال العديد من الرسائل الضمنية، أبرزها ماهية الرؤية المصرية للدور الذى ينبغي أن تلعبه المنظمات الدولية، وفي القلب منها الأمم المتحدة، عبر التنسيق الجاد، وتقديم الدعم لدول العالم، وتبادل التجارب والخبرات، فيما يتعلق بالقضايا الملحة، في مختلف المجالات، وهو الأمر الذى ناقشته في مقال سابق، حول تحول فكرة الإصلاح التي تطارد المنظمات الدولية منذ عقود طويلة، من مجرد تعديل المواثيق، إلى فكرة "إصلاح" الدور بعيدا عن الانحياز والتسييس، وهى المفاهيم التي شكلت حجر عثرة أمام قيامها بالدور الرئيسى المنوطة به، وهو حفظ السلم والأمن، والذى بات تحقيقه في حاجة أكبر إلى المزيد من التنسيق والتعاون بين الدول، مع تحول الصراعات التقليدية التي شهدها العالم إلى "الصراع مع الطبيعة".
بينما يحمل المنتدى العالمي وجها أخر، ربما تفرضه الظروف الدولية، في ظل التغيير الكبير الذى يشهده النظام العالمي في المرحلة الراهنة، ليصبح، بفضل دوريته، والاهتمام العالمي الكبير به، بمثابة أحد المناسبات المؤثرة، والتي يمكنها تغيير الرؤى الدولية، في العديد من القضايا الملحة، وهو ما بدا فعليا عبر محاولات بعض القادة استلهام الفكرة، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذى حرص على عقد لقاء مع شباب بلاده، إبان الاحتجاجات التي شهدتها باريس في 2018، بل وتجاوز الأمر ذلك عبر عقد لقاءات مع شباب الدول الأخرى، وهو ما شهدته قمة "فرنسا – إفريقيا" الأخيرة في أكتوبر الماضي، بمدينة مونبلييه، حيث عقد جلسة حوارية مع مجموعة من شباب القارة السمراء لتبادل الرؤى.
وهنا يمكننا القول بأن "منتدى شباب العالم" يحمل أهمية قصوى، تتجاوز كونه مجرد لقاء حواري، وإنما يحمل العديد من الأبعاد، لا تقتصر في نطاقها الاستفادة المصرية من الحدث، سواء دوليا أو اقتصاديا أو دبلوماسيا، وإنما ربما يساهم بصورة كبيرة في صياغة جزء مهم من مستقبل العالم، في ظل التغييرات العميقة التي تشهدها الساحة الدولية في المرحلة الراهنة، خاصة مع الاهتمام العالمي الكبير بـ"تمكين الشباب"، ناهيك عن الطاقات الكبيرة التي يتمتعون بها والتي يمكنها تحقيق اختراقات كبيرة فيما يتعلق بالتحديات الجديدة، التي تبدو بحاجة إلى عقول أكثر شبابا في التعامل معها.