سافر وزير الخارجية المصرية محمد إبراهيم كامل إلى أسوان، يوم 2 يناير 1978، وفى ظهر اليوم التالى 3 يناير «مثل هذا اليوم»، توجه إلى الرئيس السادات فى استراحته بالقرب من خزان أسوان، كان السادات ينتظر فى أسوان الرئيس الأمريكى «كارتر» للاجتماع به، وهو فى طريق عودته إلى واشنطن بعد زيارته إلى الهند ودول أخرى، ووفقا لجريدة الأهرام، 5 يناير، 1978، فإن الرئيس الأمريكى وقرينته وصلا إلى أسوان يوم 4 يناير، واصطحبت السيدة جيهان السادات حرم الرئيس الأمريكى لزيارة السد العالى أثناء مباحثات الرئيسين، وعلقت عليه قائلة:«إنه شىء مذهل وعظيم».
يصف «كامل» الاستراحة التى كان فيها السادات بأنها، «فيلا بسيطة تطل على منظر بديع للنيل والحقول، وتحيطها حديقة رائعة مزروعة بالنباتات الاستوائية»، ويضيف فى مذكراته «السلام الضائع»:«كان السادات يقابل وفدا عسكريا فرنسيا يزور مصر، فحضرت المقابلة التى لم تلبث أن انتهت، فصحبنى إلى مكان جانبى فى الحديقة، حيث جلسنا ثم بدأ يتحدث بإسهاب».
يتذكر «كامل» أن حديث الرئيس تناول أسباب وظروف سفره إلى القدس، ورأيه فى جمال عبدالناصر، والرئيس السورى حافظ الأسد، وحرب أكتوبر 1973، يقول:«أفاض فى الحديث عن حرب أكتوبر، وكيف أعد لها ونسق مع الرئيس الأسد والملك فيصل «العاهل السعودى»، وتكلم بمرارة عن «الأسد» شريكه فى الحرب، وذكر أنه غشه، ودخل الحرب على أساس أن تستمر لمدة 48 ساعة على الأكثر، وهو الوقت الكافى للجيش السورى لاسترداد الجولان بعد مباغتة إسرائيل بالحرب، وانشغالها بالقتال على الجبهة المصرية، ثم يطلب وقف إطلاق النار عن طريق الاتحاد السوفيتى، ويكون قد حل مشكلته فى استرداد الجولان غير حافل بما يجرى لمصر شريكته فى الحرب، وذكر أن الاتحاد السوفيتى كان متواطئا مع الأسد فى هذا المخطط، وأن أغلب الخسائر التى تكبدها الجيش المصرى حدثت خلال الهجوم، الذى قام به الجيش لرفع العبء عن الجيش السورى، عندما قام الجيش الإسرائيلى بهجوم مضاد على سوريا».
أضاف السادات: إن حرب أكتوبر أعدت ومهدت الطريق للسلام بعد أن استرد العرب كرامتهم وثقتهم فى أنفسهم، وبعد أن أدركت إسرائيل كذب أسطورة أن الجيش الإسرائيلى لا يهزم، وخطأ نظرية حدوده الآمنة، وأنه دعا لمؤتمر سلام دولى، والجيش المصرى فى أوج انتصاره وآن لمصر أن تنعم بالسلام بعد طول ما عانت على مدى ثلاثين عاما من التضحيات البشرية والاقتصادية، وأنه أدرك بالتجربة أنه لا سبيل إلى إجماع الجانب العربى على موقف واحد يدخل به مؤتمر جنيف.
وقال عن فكرة زيارته لإسرائيل: إنها خطرت له بعد أن فكر فى عدة وسائل للعمل الجرىء لإنهاء الحرب مع إسرائيل، ومنها دعوته لرؤساء الدول الكبرى الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن للاجتماع فى القدس، إلا أنه عدل عن هذه الفكرة خوفا من أن يفشلها الاتحاد السوفيتى والصين الشعبية بعدم الحضور، وتذكر أن الرئيس الرومانى «شاوشيسكو» كثيرا ما اقترح عليه أهمية المفاوضات المباشرة مع إسرائيل للخروج من الدائرة المغلقة، التى التزمها العرب من البداية، فما كان منه إلا أن قام بزيارة شاوشيسكو لسؤاله عن شخصية مناحم بيجين «رئيس الحكومة الإسرائيلية» وهل هو رجل قوى وقادر على تحقيق السلام، فلما أكد له شاوشيسكو ذلك، عزم أمره على الذهاب إلى القدس والقيام بمبادرته.
انتقل السادات بعد ذلك إلى المقارنة بينه وبين جمال عبدالناصر، وذلك بعد هجومه على الاتحاد السوفيتى، واتهامه بأنه كان يعمل بكل الوسائل على فشله وهدمه، وقال إنه ورث أوضاعا صعبة عن عبدالناصر، حيث كان يسعى «الاتحاد السوفيتى» إلى أن يخلف على صبرى لجمال عبدالناصر فى رئاسة الجمهورية، وكيف أنه لم يحقق شيئا فى أربع زيارات لموسكو، حيث ماطلت فى تزويد مصر بالأسلحة التى فقدتها فى حرب أكتوبر 1973.
وأضاف:«عبدالناصر لم يكن يستطيع العيش دون توتر، ولم يكن يهتم بمباهج الحياة، ولا يقدر ما وهبنا الله من نعم، وكان دائم الشك فى الأشخاص حتى يثبت له العكس»، وقال عن نفسه: إنه يكره العيش فى توتر ولا يستطيع التفكير إلا فى جو هادئ، ومن هنا كان حبه للريف وابتعاده عن القاهرة، وإقامته فى القناطر الخيرية أو غيرها من المناطق الهادئة ذات الطبيعة الجميلة، وأنه يقدر الجمال فى كل صوره، ويشكر الله على نعمه، ويحب الناس، ومبدأه أن يثق فيهم إلى أن يثبت العكس، على خلاف عبدالناصر».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة