حالة من اللغط الشديد تسود الشارع المصري بعد انتحار الطالبة بسنت خالد في محافظة الغربية نتيجة حالة الاكتئاب والإحباط التي عاشتها بسبب الابتزاز الإلكتروني الذي توحش وانتشر في العالم خلال السنوات الماضية، وهذا يتطلب مزيد من الحوارات المجتمعية وزيادة سلاح الردع الكافي لمنع تفشي هذه الظاهرة التي يلجأ إليها عدد من المراهقين أو بعض المرضى الذين ينساقون وراء رغباتهم المتوحشة للنيل من الآخرين.
قضية انتحار "بسنت" لن تكون الأخيرة نتيجة تفشي بعض الأمراض داخل المجتمعات العربية حيث باتت شريحة واسعة من الناس لا تتوانى في الخوض بالأعراض دون التحقق أو التيقن من صحة ما يتم تداوله ونشره سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى بين الناس الذين لا يفكرون في التداعيات الوخيمة التي يمكن أن تحدث جراء هذا الجرم الذي يرتكبونه.
الرغبة في نشر الفضائح دون التأكد من صحة ما يتم تداوله من أجل ما يسمي بـ"الترند" هي جريمة مكتملة الأركان تحتاج من الدولة والمجتمع التكاتف لمواجهة الظواهر السلبية التي يحاول البعض نشرها بشكل أكبر داخل مجتمعنا، فضلا عن توظيف البعض بشكل خاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي وخاصة "الترند" الذي يمثل حالة للتعبير عن موقف أو حدث معين تجاه قضية بعينها حتى تحول إلى مرادف لكلمة "فضيحة" وقد تم استغلال الأمر بشكل سلبي ومكثف خلال الأعوام الماضية.
نحتاج فعليا للقيام بإجراءات عاجلة لمعالجة هذه الظواهر وأبرزها العمل على رصد حالات الانتحار التي تحدث في مصر كل عام وتحديد النطاق الجغرافي لكل حالة، وذلك لدراسة الدوافع والملابسات التي دفعت الضحية للإقدام على الانتحار ومعرفة متوسط أعمار الفئة التي تقدم على الانتحار، وهو ما سيساهم بشكل كبير في تشخيص الحالة بشكل دقيق وإيجاد العلاج والحل لها.
دارسة شخصية الضحية التي تقدم على الانتحار أحد أبرز الأمور التي يجب العمل عليها للوقوف على أكثر الشخصيات التي يمكن أن تلجأ للانتحار، وبالتالي يتم استهداف هذه الفئة سواء بحملات إعلامية أو تربوية بخلق دوائر دعم نفسي بشكل مستمر على فترات يحددها المختصين.
منظمة "الصحة العالمية" أعلنت في إحصائية رسمية عام 2019 عن تسجيل حالة انتحار واحدة كل 40 ثانية في العالم، بما يعادل 800 ألف شخص سنوياً (أكثر من 50 % منهم دون الـ 45)، علما أن النسبة الأكبر بين هؤلاء عادة ما تكون في صفوف المراهقين نظرا لما يعانونه من اضطرابات وضغوطات نفسية تدفعهم نحو الانتحار دون التفكير في هذا الخيار الصعب والمرفوض والمحرم على المستوى الديني أو الأخلاقي.
يجب علي المؤسسة التشريعية ممثلة في مجلس النواب العمل على وضع تشريعات صارمة لملاحقة كل من يبتز الآخرين من خلال الشبكة العنكبوتية وملاحقة كل مروجي الشائعات والأكاذيب، بالإضافة لتكثيف برامج التوعية حول خطورة الانتحار عبر وسائل الإعلام وحث العاملين في السينما والدراما على ضرورة عدم التركيز على مشاهد القتل والانتحار في الأعمال الفنية كي لا يتم ترسيخ هذه الفكرة داخل عقول المراهقين تحديدا.
مواجهة ظاهرة الانتحار يحتاج فعليا لتشكيل "خلية أزمة" تعقد اجتماعات بشكل دائم يشارك فيها ممثلين عن الأزهر والكنيسة، وعدد من الأخصائيين في علم النفس والاجتماع وأطباء من وزارة الصحة مختصين في الأمراض النفسية، والأهم مشاركة وزارات الشباب والرياضة والأوقاف والداخلية والتربية والتعليم وممثلين عن وسائل الإعلام لتنسيق العمل بشكل مشترك لمواجهة ظاهرة "الانتحار" الخطيرة، والتأكيد في حملات التوعية على ضرورة التمسك بالحياة والعمل على حل أي مشكلات تواجهه الضحية، ويمكن لهذه الخلية تقديم الاستشارات للشباب والفئات العمرية التي تعاني من ضغوطات كبيرة أو مشكلات اجتماعية بسبب طبيعتهم الشخصية أو نتيجة تعرضهم للابتزاز.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة