هناك فرق بين البناء والعمران، ويجب أن تتجه خطة الدولة إلى عمران يقوم على بناء مجتمعات وليس فقط تكدسات عقارية، من هنا يمكن النظر إلى ما تحقق خلال السنوات السبع الماضية، فى حركة العمران وبناء مدن الجيل الرابع، التى يمكنها أن تستوعب الزيادة السكانية، وتمثل إضافة إلى الجغرافيا خارج المساحات التى بقيت ثابتة على مدى عقود.
نقول هذا بمناسبة انتهاء المرحلة الأولى من مدينة المنصورة الجديدة، وهى واحدة من المدن التى أنشأتها الدولة المصرية ضمن خطط تبناها ووجه لها الرئيس عبدالفتاح السيسى، بإنشاء مدن وعواصم مصرية جديدة، فى الصعيد «المنيا الجديدة وبنى سويف وأسيوط وسوهاج وأسوان»، وفى الشمال الإسكندرية الجديدة والعلمين، والمنصورة ودمياط الجديدة.. المنصورة الجديدة هى امتداد لمدينة المنصورة التاريخية، والمعروفة بعروس النيل، والمنصورة الجديدة من مدن الجيل الرابع الحديثة، والتى تم تدشينها بقرار جمهورى عام 2018، وتعد واحدة من ضمن سلسلة المدن الذكية والمشاريع والإنشاءات العملاقة التى أطلقتها الدولة نحو بناء الجمهورية الجديدة.
وبالعودة إلى حالة الإسكان والبناء قبل 2014 نكتشف أن الحال وصل إلى مشهد لا يمكن أن يستمر، الوادى والدلتا مكدسة بالسكان والأنشطة، تعانى من نقص خدمات وتكدس، وتدهورت بنيتها الأساسية، وأصبحت المدن المصرية أكثر مدن العالم ازدحاما، وهو ما يشكل فقر العمران، وحسب توصيف وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية عاصم الجزار، نهاية العام الماضى، فقد كان «عمران لا يستفيد من مقوماته وليست لديه أدوات للتغيير»، من هنا جاء توجيه الرئيس بإنشاء جيل جديد من المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة، وتطوير المعمار القائم.. فى عام 2014 كان عدد السكان 90 مليونا يعيشون على 7 % من مساحة العمران، لكن فى نهاية عام 2021 وصل التوسع إلى 13.7 من مساحة الجمهورية، ويصل المستهدف إلى أكثر من 14 % خلال عام 2022.
وكان على الدولة أن تدخل بتصورات وخطط تعالج أزمات وتراكمات تسبب فيها ابتعاد الدولة عن ضبط سوق العقارات، وتنظيم البناء ووقف التدهور الذى أصاب العمران من خلال خطط تقدم فيها الدولة الجزء الأكبر، وفى عام 2014 وضع الرئيس عبدالفتاح السيسى، ملف الإسكان والعمران ضمن خطط التنمية الشاملة، بشكل جذرى يسعى لعلاج سريع لأزمة البناء، ونقل العشوائيات إلى مجتمعات حضارية، ثم بدائل للإسكان تتنوع حسب الدخول، الإسكان الاجتماعى للشباب ومحدودى الدخل، ومجتمعات واسعة وإنسانية بديلة للعشوائيات، ومبادرة حياة كريمة لإعادة صياغة الريف والقرى لأكثر من نصف سكان مصر فى الطرق والصرف والغاز، وفى الأقاليم بحرى وقبلى مدن من الجيلين الثالث والرابع ومحاور تربط شرق النيل بغربه.
وبالنسبة للطبقات الوسطى الصغيرة، أعلن الرئيس خطة لتقديم 100 ألف شقة بالإيجار التمويلى، لتوفير وحدات للشباب فى بداية حياتهم، بل إن الرئيس أثناء افتتاح سكن الموظفين فى العاصمة الإدارية العام الماضى، أشار إلى أن الدولة ستواصل الدخول للبناء والعمران من أجل خلق توازن فى سوق العقارات.
وبالتالى فإن مدينة المنصورة الجديدة تأتى ضمن حركة عمران، تختلف عن البناء والتوسع الأفقى، وهو نمط فى البناء يحافظ على الهوية، ليس بالمبانى الفاخرة والعمارات لكن بطريقة بناء تعكس هذه الثقافة، ولدى مصر تاريخ فى العمران والبناء الحضارى، وحتى فى الريف فإن المنازل القائمة بالطوب اللبن تحمل جمالا وراحة أكبر من المبانى الأسمنتية التى قامت فى المدن والريف، وقضت على الأراضى الزراعية والشوارع، والسبب هو غياب البدائل وخطط التوسع الجغرافى، التى تضيف إلى المساحة المأهولة، وإذا نظرنا لحجم النمو السكانى فقد ارتفع عدد السكان بأكثر من 20 مليونا خلال السنوات من 2012، وكان من الضرورى التوسع فى إقامة مجتمعات عمرانية تتضمن الخدمات الصحية والتعليمية، وهو ما يتم فى المدن الجديدة، ومنها المنصورة الجديدة التى تدخل ضمن خطط العمران والتنمية وليس مجرد توسع فى البناء.