ذكرنا في مقال سابق جاء تحت عنوان "الحرب الروسية الأوكرانية .. العصفور الأول المستهدف" أنه لا أحد يستطيع أن يجزم بما ستأول إليه الأمور في ظل التصعيد المتنامى، ودخول أطراف متعددة في الحرب أهمها تدخل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب في المعادلة بشكل جعلهم طرفا أصيلا في مجريات الصراع، ما يؤكد قطعا أن أمريكا تريدها حربا بالوكالة، وتريد أن تضرب 3 عصافير بحجر واحد من أجل استمرار هيمنتها وزعامتها، وأكدنا أن العصفور المستهدف الأول استنزاف روسيا بعد تصاعد نفوذها فى العالم، وسعى بوتين لاسترداد امبراطورية السوفيت من جديد، وانصهارها مع الأوروبيين وتقاربها مع العملاق الصينى، لنكشف في مقالنا اليوم عن العصفور الثانى المستهدف.
في اعتقادنا أن العصفور الثانى هو "أوروبا نفسها"، وقد يسأل سائل، كيف هذا وأوروبا كتف بكتف مع الأمريكان، من خلال قرارات الدعم أو العقوبات أو الناتو أو بتوجيه كل أوجه الدعم العسكرى والاقتصادي للأوكرانيين، أقول لك نعم هذا قد حدث وما زال يحدث، لكن الأمور تتكشف للأوروبيين الآن، فقد بدأوا يدركون أنهم دخلوا حربا لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وأنهم مستهدفون أيضا، والحديث هنا للأوروبيين، وليس معهم البريطانيين، لأن بريطانيا أصبحت خارج الاتحاد الأوروبى منذ سنوات.
نعم بدأت تتكشف الأمور بعدما رأى الاتحاد الأوروبي أحلامه في طريقها للانهيار بعد شبح توقف مشروعاته التنموية وانصهاره مع روسيا من خلال نورد استريك 1 ونورد استريم 2، وها هو نورد استريم 2 يتوقف تماما، ونورد استريم 1 مهدد هو أيضا، وبعد توقف حلم الاتحاد بأن يكون له قوة عسكرية خاصة به، وبعد هجرة الكثير من المصانع من أرضه بسبب أزمة الطاقة والاضطرابات الاقتصادية والسياسية إلى الصين وأفريقيا.
واكتشفت أوروبا هذا الاستهداف أيضا، بعدما رأت بعينها كيف تستغل أمريكا الأزمة لصالح الولايات المتحدة دون غيرها، خاصة بعدما أصدرت عدة قوانين حمائية لحماية الصناعة الأمريكية، وبيع الغاز الأمريكي لهم بعشرات الأضعاف، وتوجيه الدعم للصناعات الأمريكية في خرق واضح لكافة الاتفاقيات الدولية وفى ظل صمت المنظمات الدولية تجاه ما تفعله ليعلم الجميع وعلى رأسهم أوروبا أن تلك المنظمات ما هي إلا أدوات تستخدمها الولايات المتحدة لتركيع العالم لاستمرار سيطرة النفوذ الأمريكي.
وما يعزز هذا الطرح، أن بعض قادة أوروبا أنفسهم خاصة الرئيس الفرنسى ماكرون أكد وألمح أن الولايات المتحدة الأمريكية غير معنية إلا بالولايات المتحدة، ما جعلهم الآن ينتهجوا سياسة مشاكلنا أولا فذهبوا إلى ضرورة عقد اتفاقية الشراء الموحد الأوروبى، وذهبوا للصين باعتبارها أكبر شريك تجارى ومصدر لهم، وبدأت سياسة اللوم بينهم وبين الولايات المتحدة، فتارة أمريكا تلوم بتقاربهم مع الصين فيما هم يلومون أمريكا باستغلال الأزمة لصالحها.
ورغم تكشّف الأمور أمام الأوروبيين وتورطهم في هذه الحرب، إلا أنهم لا يستطيعون التراجع عن الاصطفاف خلف أمريكا رغم معاناتهم التي تزداد يوما بعد الآخر، نتيجة دخول فصل الشتاء، وتصاعد وتيرة الغضب عند شعوبهم جراء موجة التضخم، فهم الآن كالذى أرد أن يسبح في نهر لكن توقفت قواه في المنتصف فلا هو قادر على العوة ولا قادر على استكمال ما بدأه، لذلك، لذلك فإن أوروبا هي الخاسر الأكبر من تلك الحرب بعد أوكرانيا، وإلى لقاء في مقالنا القادم الذى نكشف من خلاله العصفور الثالث المستهدف ضربه من خلال توظيف أمريكا الحرب الروسية الأوكرانية سياسيا واستراتيجيا لاستمرار هيمنتها على العالم..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة