ونحن على مشارف الانتهاء من فعاليات حملة الـ ١٦ يوما لمناهضة العنف ضد المرأة التى أطلقتها منظمة الأمم المتحدة، والتى تهدف الى رفع الوعى وخلق رأى عام مساند لمناهضة كافة أشكال العنف الموجهة ضد النساء، والسعى نحو إيجاد حلول جذريه لها.
وكذلك بمناسبة الاهتمام غير المسبوق لدى مجتمعاتنا الشرقية، وتحديداً مصر باليوم العالمى لمكافحة العنف ضد المرأة، أتوقف معكم أعزائى لنتأمل الصورة قليلاً.
فهل نحتاج حقاً إلى يوم عالمى يذكرنا بضرورة الاهتمام يومياً بمكافحة تلك الآفة المجتمعية القاتلة التى تستفحل، وتبلغ ذروتها من القسوة فى مجتمعاتنا الشرقية العربية وبشكل خاص الإسلامية؟
نحن بحق أمام كارثة دخيلة، أتت بها أفكار غريبة علينا، ثم تعمقت وترسخت لتصبح مع مرور السنوات حق مشروع لكل رجل ضد أى امرأة، وبكل الأشكال وتحت أى مسمى من مسميات التسلط والسيطرة التى لا أساس لها ولا وجود فى أى شرع ولا دين ولا إنسانية!
فإن عدنا بالزمن إلى أصولنا وجذورنا العميقة منذ عهد المصريين القدماء، وفتحنا كتب تاريخنا الطويل جداً وبحثنا عن أهمية المرأة وتقديرها ودورها فى المجتمع وتقديس الزوج والابن لها، سنجد أنفسنا قد سقطنا حقاً من قمة الرقى والتحضر والإنسانية إلى قاع التبجح والتأخر وانعدام الرحمة وتجاهل تعاليم الأديان!
فقد كانت الدلائل التى تركها المصريون القدماء تؤكد كل التأكيد على ما تمتعت به المرأة فى مصر القديمة من تقدير إنسانى ومكانة اجتماعية، وما حققته من نجاحات فى مختلف المجالات الحياتية، حتى صارت ملكة تحكم البلاد.
وقد وصلت بحق إلى مكانة لم تصل لها النساء فى أى موقع آخر على كوكب الأرض، فكانت أشهر الآلهة من النساء، مثل الإلهة (إيزيس) إلهة الأمومة فى مصر القديمة والتى كانت من أهم معبودات الفراعنة وأقيمت لها عدة معابد من أشهرها معبدها فى جزيرة فيله بأسوان.
و كذلك معبد (نفرتاري)، المعروف باسم معبد أبوسمبل الصغير، والذى أقامه الملك رمسيس الثانى تكريما لزوجته الملكة نفرتارى، ومعبد الملكة (حتشبسوت) فى الأقصر، ومعبد دندرة الذى كرس لعبادة الإلهة (حتحور) إلهة الحب والجمال والموسيقى فى مصر القديمة.
أما أكثر النساء تأثيرا فى مصر القديمة فقد كانت الملكة (نفرتيتي)، والتى كانت صاحبة شخصية عظيمة وفلسفة متفردة جعلتها المرأة الأكثر تأثيرا ربما فى التاريخ بأسره.
لذا فقد كان تكريم النساء يصل بالفعل إلى حد التقديس.
ولكن:
-بالرغم من الدعم غير المسبوق للمرأة من القيادة السياسية بالسنوات الأخيرة والارتقاء بوضعها وتمكينها، كما لم يحدث من قبل قرون مضت، لنستطيع أن نصفه بالعصر الذهبى للمرأة فى مصر.
إلا أنه:
ما زالت هناك لدى الكثير من فئات المجتمع بالأعماق والأنفس تلك النظرة العقيمة والرغبة الدفينة التى يظهر معتنقها ما لا يبطن فيما يخص وضع المرأة و كيفية معاملتها بما يرضى الله.
* لذا وجب:
- وضع قوانين وتشريعات صارمة لعقوبات كبيرة لمرتكبى التحرش الإلكترونى بالنساء والفتيات ، والتى باتت كارثة أودت بحياة عدد من صغيرات السن،
على سبيل المثال، قضية انتحار فتاة الشرقية.
- وضع قوانين وتشريعات جديدة لحماية المرآة من تلاعب الأزواج بشرع الله فيما يخص الضرب، والزواج الثانى وواجبات المرأة وحقوقها.
-وضع عقوبات واضحة رادعة لتحرش بعض الإعلاميين بالنساء والتحريض ضدهن والعكس، ممن يحرضون النساء على الرجال، وما يترتب على ذلك من إثارة للفتن وتشتيت الأسر المصرية.
-وضع عقوبات للتحرش اللفظى والمعنوى بالفتيات من ذوى الإعاقة والمطلقات وكبيرات السن.
فالمرأة هى نصف المجتمع التى إن صحت مادياً ومعنوياً وتحررت من أغلالها، وعوملت المعاملة التى تليق بها كما أمر الله، صلح المجتمع واستقام واعتدلت كفتا الميزان بين نصفيه.
وكذلك المرأة هى الأم والزوجة التى تعد عماد الأسرة ورمانة الميزان بها، و هى التى تجاهد بحق من أجل الحفاظ على تلك الأسرة وبقائها وتبذل ما بوسعا وما يفوق طاقتها للم شملها حتى وإن كان الزوج غير مبال!
إذ أن الأزمة التى باتت تهدد المجتمع بأسره هى العبث مادياً ومعنوياً بتلك المخلوقات الرقيقة بطرق غير آدمية، تبدأ من التحرش اللفظى والجسدي، وتنتهى بالضرب والتعذيب وربما التشويه فى بعض الأحيان!
والمذنب هنا ليس شخصا محددا بعينه، كالزوج أو الأب أو الأخ أو الابن أو المتحرش والمغتصب، وإنما هو ذنب المجتمع كله الذى أصابه الجهل والتراجع الدينى والثقافى والتعليمى بشكلٍ غير مسبوق، ليعتنق أفكار الجاهلية ويعود للخلف مئات السنين!
فهل لنا من صحوة نستفيق بها من غفلتنا ونعود بها إلى مكانتنا الطبيعية التى يجب أن نكون عليها، لننجو بنصف المجتمع ورمانة ميزانه من الضياع فى غيابات الجُب، بالعودة تعاليم ديننا الذى أعلى من قيمة المرأة وكرمها، وأمر بالإحسان إليها وحفظ حقوقها وكرامتها ومن قبله تراثنا وتاريخنا العظيم الذى تجلت فى كل عصوره المرأة المصرية فى أبهى صورها.
وما زالت الأزمة مستمرة على أمل قريب بانفراجة تتبدل بها أحوالنا لما يسعدنا ويسرنا.