وقع الزعيم الفيتنامى التاريخى «هوشى منه» فى حب مصر، وبادله المصريون حبا بحب، وزارها ثلاث مرات، الأولى عام 1911، ومرتان عام 1946، حسبما يذكر الكاتب الصحفى كمال جاب الله فى مقاله «فى صحبة العم هوشى منه»، بجريدة الأهرام، 14 أكتوبر 2018، ويذكر على لسان السفير الفيتنامى بالقاهرة، أن «هوشى منه» كتب خاطرة عند رؤية تمثال أبو الهول لأول مرة فى يونيو 1946، نصها: «أقدام تمثال أبو الهول أطول من رأس الإنسان، وإذا نظرنا إلى التمثال الحجرى فى ليلة مقمرة، فإنه يبدو صوفيًا ومبتهلًا ومهنيًا».
قاد «هوشى منه» نضال شعبه ضد الاستعمار الفرنسى، ثم قيادته للمقاومة ضد الحرب الأمريكية الوحشية على فيتنام التى استمرت 12 عامًا، ويؤكد «جاب الله» أن أبهى صور تقدير المصريين لـ«هوشى منه» جاءت عندما أقدمت مصر فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر بمؤازرة المقاومة الفيتنامية الباسلة ضد العدوان الأمريكى الظالم للشطر الجنوبى من فيتنام، وكانت مصر من أوائل دول العالم التى أقامت علاقات دبلوماسية كاملة مع فيتنام عام 1963.
كان تقدير «هوشى منه» للموقف المصرى كبيرًا، وتجلى ذلك فى رسالة كتبها إلى جمال عبدالناصر، وقامت «الأهرام» و«الأخبار» بنشرها فى 14 فبراير، مثل هذا اليوم، 1966، وجات هذه الرسالة فى سياق الأخبار التى تناثرت وقتئذ عن إمكانية قيام مصر بدور بين «فيتنام الشمالية» بزعامة «هوشى منه» التى تصمم على وحدة الأراضى الفيتنامية بإنهاء وجود «فيتنام الجنوبية» بحكومتها العملية لأمريكا، وتذكر «الأهرام» فى عدد 14 فبراير 1966، أن «عبدالناصر والرئيس الغانى نكروما سيجتمعان فى القاهرة، يوم 21 فبراير 1966، لبحث مشكلة فيتنام التى بلغت مرحلة خطيرة تقتضى تدخل الدول غير المنحازة»، وتكشف الأهرام، أن السفير الأمريكى فى القاهرة أجرى اتصالات مع مسؤولين مصريين تتناول موضوعات مهمة منها مسألة أسرى الحرب فى فيتنام الشمالية.
أما رسالة «هوشى منه» إلى عبدالناصر فقال فيها: «إن الولايات المتحدة دأبت خلال الأحد عشر عامًا الماضية إلى نقض اتفاقية جنيف لعام 1954، ومنعت توحيد فيتنام بالوسائل السلمية، وقد عمدت أمريكا إلى زيادة قواتها العسكرية فى فيتنام، واستعانت بقوات من الدول الأخرى، وقامت بهجمات جوية على جمهورية فيتنام الديمقراطية، وفى الوقت الذى تشدد فيه أمريكا حربها العدوانية وتوسع رقعتها، بدأت تتحدث عن رغبتها فى السلام واستعدادها للدخول فى مفاوضات غير مشروطة، وهذه محاولة لخداع الرأى العام العالمى، وأخيرًا قامت حكومة جونسون بما أسمته «البحث عن السلام»، وقدمت اقتراحًا من 14 نقطة، وقد نصت اتفاقيات جنيف لعام 1954 على وقف أى تهديد بالقوة أواستعمال القوة، ولكنها خرقت هذا النص بينما تتحدث عن احترامها لهذه الاتفاقيات، وإذا كانت الولايات المتحدة تحترم اتفاقيات جنيف فلتسحب قواتها وقوات توابعها من فيتنام».
ثم استعرضت رسالة «هوشى منه» وسائل القوات الأمريكية فى فيتنام التى تلجأ إلى التخريب والحرق والتدمير، واستخدام قنابل النابلم والغازات والكيماويات السامة، لإحراق القرى وذبح المدنيين، وقال إنه يحتج ضد هذه الأساليب البربرية للحرب، ويتقدم إلى كل الحكومات والشعوب المحبة للسلام فى جميع أرجاء العالم لتقف بحزم ضد مجرمى الحرب الأمريكيين، وأكد أن شعب فيتنام الذى يحارب منذ عشرين عاما يرغب فى السلام ليبنى حياته، ولكن السلام الحقيقى لا يمكن أن ينفصل عن الاستقلال الحقيقى، وما دام جيش العدوان الأمريكى على أرضنا فإن شعبنا سيحارب بكل عزم، وأضاف أن الرئيس جونسون أكد فى الرسالة التى وجهها فى 12 يناير 1966 إلى الكونجرس، أن سياسة الولايات المتحدة هى عدم الخروج من فيتنام الجنوبية، كما أجبر شعب فيتنام على الاختيار بين السلام أو النتائج الخطيرة المدمرة للنزاع الحالى، وهو تهديد فج، ولن يسلم شعب فيتنام أبدًا لتهديدات الإمبريالية الأمريكية».
واختتم هوشى منه رسالته قائلا: «يا صاحب الفخامة.. إن الكفاح البطولى لشعبنا ضد عدوان الإمبريالية الأمريكية يتمتع حتى الآن بالتأييد القوى والمساندة من جانب حكومة الجمهورية العربية المتحدة «مصر» وشعبها، وباسم شعب فيتنام وحكومة جمهورية فيتنام الديمقراطية، أو أن أعبر لكم عن عميق تقديرنا لهذه المواقف والمساندة القيمة، وفى مواجهة الموقف البالغ الخطورة الذى نتج عن وجود الولايات المتحدة فى فيتنام، فإنى أعتقد جازمًا أنه تأسيسًا على حكم للسلام والعدل، فإن فخامتكم سيمد كفاح شعب فيتنام العادل بالمساندة المتزايدة، وسيدين الحيل التى تقوم بها حكومة الولايات المتحدة باسم السلام، ويشترك فى أن يوقف فى الوقت المناسب كل المناورات الغادرة التى تقوم بها الولايات المتحدة فى فيتنام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة