احتفلت جمعية خريجى كلية فيكتوريا فى فندق «الكونتنتال» 7 فبراير-مثل هذا اليوم- 1940، فأدى الاحتفال إلى اغتيال «أمين عثمان باشا» بعد ست سنوات، يوم 5 يناير 1946، حسبما يذكر صبرى أبوالمجد فى كتابه «سنوات ما قبل الثورة - الجزء الثالث».
كان «عثمان» وزيرا للمالية فى حكومة الوفد «4 فبراير 1942»، ورئيسا لجمعية الصداقة المصرية البريطانية، واشتهر بأنه «رجل الاحتلال الإنجليزى فى مصر»، وكانت كلمته فى «احتفال فيكتوريا» نموذجا فاضحا للعمالة، وبسببها اغتاله حسين توفيق، واتهم معه الرئيس أنور السادات، ومحمد إبراهيم كامل، وزير الخارجية المستقيل احتجاجا على اتفاقية كامب 1979، وفى الاحتفال المشار إليه كانت قيادات سياسية رفيعة حاضرة، فى مقدمتهم مصطفى النحاس باشا، عبدالفتاح يحيى باشا، أحمد ماهر باشا، وأحمد حسنين باشا، ومكرم عبيد باشا وقرينته، ومن رجال الاحتلال الإنجليزى، السفير «مايلز لامبسون، اللورد كيلرن»، وإدوارد كوك محافظ البنك الأهلى، وأرشبيلد ويفل القائد العام للجيوش البريطانية فى الشرق الأدنى، ووفقًا لأبوالمجد: «كان عثمان هو خطيب الاحتفال بلا منازع، وكانت كلمته أكبر جريمة ارتكبها فى حياته.. وكانت حياته الثمن الذى دفعه لتلك الكلمة».
قال عثمان: «سأتكلم اليوم عن الحب، فالحب أمر مهم فى حياتنا وهو أهم فى نظرى من إلقاء خطبة بعد العشاء، وسأتكلم عن طريق الغزل، وأعتقد أننا طلبة كلية فيكتوريا القدماء نعرف ما هو الغزل، وتعلمنا فى الكلية أن نكون خبراء فى أساليب الغرام.. وهناك ثلاث طرق للحصول على المرأة: أولها، أن تغزو المرأة أى أن تستولى عليها بالقوة.. ثانيا أن تتزوج منها زواج العقل.. وثالثها أن تتزوج منها زواج الحب.. والسياسة البريطانية جربت طرق الغزل الثلاث مع مصر.. ففى أول الأمر حاولت بريطانيا أن تكتسب حب مصر بالقوة، فتزوجت منها عن طريق الغزو، فلم تسعد الزوجة، ولم يسعد الزوج، وكانت ثورة وطلاق».
يضيف عثمان: «فى المرة الثانية تدخل دعاة التفاهم، وقالوا: فلنصالح الزوجة مع الزوج، وكان هذا زواج العقل، ولكن هذا الزواج لم يكن سعيدا دائما، فمعاهدة 1936 عبارة عن زواج عريس واحد من 13 عروسا، وبعض الزوجات حاضرات هنا، وبعضهن غائبات، وأقصد بالثلاثة عشر هؤلاء الذين وقعوا المعاهدة، ولكن زواج العقل هذا لم يعجبنا نحن خريجى كلية فيكتوريا، ونحن كما قلنا خبراء فى الغرام، نحن نؤمن بزواج الحب، وهذا ما دعوناكم إلى الاحتفال به اليوم أو على الأصح العمل على الوصول إليه.. لعل بعضنا غاضب لأننى شبهت مصر بامرأة، وشبهت بريطانيا بالرجل، ولكنى أفضل هذا التشبيه فالمرأة دائمًا تأخذ من الرجل خير ما عنده، وسلوا المتزوجين يقولون لكم الخبر اليقين.. إن مهمتنا نحن وسطاء الغرام، أن نقول للرجل قل لها أنك تحبها، وأن تقول للمرأة إنه لا يحب سواك، وتقول له: أنت لا تعرف كيف تتقبلها.. ونشهد دلال المرأة، وبرود الرجل، فنقول للمرأة حذار أن تتركيه يذهب غاضبا هذه المرة، فهو ذاهب إلى الحرب ووقت الشدة هو خير وقت يستجيب فيه الرجل لنداء الغرام، ونقول للإنجليز: أنتم باردون بطبعكم، حذار أن تتدللوا، بل أحيطوا الزوجة بكل عناية، وإلا فهى ستذهب بعيدا، والخطاب كثيرون.. وهكذا ينجح وسطاء الخير، ويتم زواج الحب الذى نريده وهو أقوى أنواع الزواج».
يضيف عثمان: «نحن نقول للإنجليز، نحن حلفاؤكم لا لأننا وقعنا المعاهدة، ولكن لأننا نعتقد أنكم تحاربون لنفس الغرض الذى نسعى إليه وهو تحقيق العدالة، بل أنى سأذهب إلى أبعد من ذلك، وأقول إننا كنا سنؤيد الإنجليز لو لم يحاربوا من أجل الحق، لأن زواجنا بهم زواج كاثوليكى أى لا طلاق فيه.. وإذا حدث واستطعنا أن نحصل على فتوى بالطلاق منكم.. وكان لنا أن نبحث مرة أخرى عن عريس آخر فسنختاركم، وأرجوكم إذا اخترتم أن تختارونا أيضا.. أردنا أن نقدم دليلا على ثقتنا ليس بالكلام بالعمل.. تعرفون أن فى الزواج شىء اسمه «الدوطة» «مال تدفعه العروس إلى عروسها»، وسندفع الآن «دوطة» لبريطانيا، ومن حسن الحظ أن التقاليد فى إنجلترا أن تكون الدوطة بسيطة، وهى مبالغ سنتبرع بها للجيش البريطانى فى مصر، وللأعمال الخيرية التى تقوم بها «لادى لامبسون» الخيرية، لأن لها فضل لا يعرفه أحد.
ولعلكم تذكرون أنه «لامبسون» عندما حضر إلى مصر فى المرة الأولى كان عازبا، ولهذا مكث سنة دون أن يعمل شيئا، وبعد أن تزوج رأينا المعاهدة المصرية البريطانية، ورأينا الخير الكثير، فاعترافا بالجميل سنقسم هذه المبالغ بين الجيوش البريطانية، ورأينا الخير الكثير، وأعمال «لادى لامبسون الخيرية».. وتبرع رفعة على ماهر باشا بمائة جنيه، ومحمد محمود باشا بخمسين جنيها، والنحاس باشا بخمسين جنيها، وبهى الدين بركات باشا بخمسين جنيها، وعبدالفتاح باشا بـ25 جنيها، ومكرم عبيد باشا بـ20 جنيها، وكل من الدكتور أحمد ماهر باشا والنقراشى باشا وحسين سرى باشا وحلمى عيسى باشا بعشرة جنيهات، وكامل بولس حنا بخمسين جنيها، وأخيرا المفاجأة الكبرى، أن السيدة «قوت القلوب الدمرداشة» تبرعت بخمسمائة جنيه، والفضل فى هذه التبرعات يرجع إلى الملك فاروق الذى قاد هذه الحركة، ولعلكم تذكرون أن جلالته تبرع للترفيه عن الجيوش الإنجليزية فى مصر بخمسمائة جنيه».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة