يوما بعد يوم تسعى دول القارة الافريقية التي عانت من الاستعمار والصراعات العرقية والاثنية على مدار عقود إلى المضي قدما نحو تحقيق الأمن والاستقرار والرخاء لأبناء القارة السمراء الذين يتطلعون لحياة أفضل تحقق طموحاتهم وآمالهم بعيدا عن الصراعات المسلحة التي أدت لمقتل آلاف الأبرياء خلال النزاعات التي وقعت خلال القرن الماضي.
تؤمن الدول الافريقية أن استراتيجية الوحدة التي وضعها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر هي السبيل الوحيد لوقف النزاعات وتحقيق الأمن والاستقرار، وقد بدأت الفكرة مع استقلال دول شرق أفريقيا في نهاية ستينيات القرن الماضي، وأطلقت مبادرات لتحقيق الوحدة بينها حيث تمتلك من المقومات ما يمكنها من تكوين كيان سياسي واقتصادي قوي لا يستهان به إلا أن الخلافات بين القادة حول شكل الاتحاد دفعتهم لاستبدال الاتحاد بإنشاء مجموعة شرق أفريقيا (EAC ) والتي فشلت عام 1977 لعدة أسباب أهمها الاختلاف السياسي بين قادة دول شرق أفريقيا.
أعيد إحياء فكرة تدشين مجموعة شرق أفريقيا لاحقًا في العام 1999، ليبدأ النقاش حول التكامل على ثلاث ركائز أساسية وهي السياسات الخارجية والأمنية المشتركة، الحكم الرشيد، التنفيذ الفعال للمراحل الأولى للتكامل الإقليمي حتى تطورت النقاشات إلى ضرورة تشكيل اتحاد شرق أفريقيا.
وبدأ الحديث فعليا في تشكيل "فيدرالية شرق أفريقيا" في يوليو 2021 حين دعا الرئيس الأوغندى يوري موسيفيني ونائب رئيس كينيا ويليام روتو لضرورة تدشين فيدرالية اتحاد شرق أفريقيا كاتحاد سياسي مقترح يجمع دول شرق القارة، وهناك معطيات تساعد في إطلاق الاتحاد القائم جزئيًا، حيث أسست دول أوغندا، رواندا، كينيا، تنزانيا، بوروندي، جنوب السودان، اتحاد شرق أفريقيا كمنظمة حكومية دولية تخطط منذ سنوات لتشكيل دولة فيدرالية واحدة ستصبح حال تشكيلها أكبر كيان في القارة الافريقية.
والاتحاد الفيدرالي نجح في عدة دول منها اتحاد جمهورية تنزانيا (اتحاد زنجبار مع تنجانيقا)، والإمارات العربية المتحدة (ناتج عن اتحاد سبع إمارات)، والولايات المتحدة الأمريكية (ناتج عن اتحاد 50 ولاية).
في أواخر العام 2020 قررت مجموعة دول شرق أفريقية وهي (كينيا، تنزانيا، أوغندا، بوروندي، رواندا، جنوب السودان ثم انضمت لهم الكونغو الديمقراطية ) تغيير جواز السفر الخاص بها واستبدلته بجوازات إلكترونية زرقاء اللون، وفرضت على رعاياها استبدال جوازاتهم بهذا الإصدار الاخير.
وتتركز محاولة تشكيل فيدرالية شرق أفريقيا على تشكيل اتحاد سياسي واقتصادي قوي يكون مقر حكومته المركزية مدينة أروشا التنزانية والتي عملت لسنوات كمقر للسلام الإقليمي والمصالحة في شرق إفريقيا، وقد زرت هذه المدينة منذ ست سنوات وتابعت مدى الدور الفاعل والرئيسي لهذه المدينة التي تحتضن أيضا مقر المحكمة الافريقية لحقوق الإنسان، وتمتاز أروشا بأنها أحد أبرز المدن التي تحتضن مؤتمرات واجتماعات لإرساء الأمن والاستقرار في شرق أفريقيا.
وفي حال نجحت دول شرق أفريقيا في تشكيل هذا الكيان ستكون بذلك أكبر دولة من حيث عدد السكان في إفريقيا، والأكبر من حيث المساحة، ورغم أن التحديات الاقتصادية أحد أبرز المعوقات التي يمكن أن تؤخر نجاح هذا الكيان لكن الموارد الضخمة ستساهم تدريجيا في التغلب على هذا الأمر، وسيتمكن الكيان من القفز في الترتيب بحيث يكون خامس أكبر اقتصاد إجمالي في أفريقيا.
تقترح دول شرق أفريقيا توحيد العملية المشتركة في دول هذا الكيان بحيث يكون "شلن" وتكون اللغة السواحيلية والإنجليزية لغات رسمية لإجادة مواطني شرق أفريقيا التحدث باللغتين، وسيتم وضع علم موحد على غرار الاتحاد الأوروبي ويمكن أن يتحول هذا التحالف أيضا إلى تحالف عسكري على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو).
الطموح الكبير الذي يراود دول شرق أفريقيا بعد نجاحهم في 2005 في تحقق الاتحاد الجمركي وإقامة السوق المشتركة عام 2010، وضمان حرية انتقال البضائع والأشخاص والخدمات ورؤوس الأموال بين الدول يشكل دافعا كبيرا لإطلاق الفيدرالية، وعكفت بعض الدول مثل رواندا وكينيا في تطوير البنية التحتية لها بشكل كبير وإصدار قرارات تساهم في عملية تسريع التخليص الجمركي.
يبقى صياغة دستور جديد للاتفاق على نظام الحكم والشكل النهائي للفيدرالية والنزاعات التجارية أحد أبرز التحديات التي تعمل دول شرق أفريقيا على إنجازها في أقرب وقت ممكن كي تتمكن من الإعلان عن هذه الفيدرالية خلال عامين أو ثلاثة على الأكثر.
ويتحرك الاتحاد الأوروبي منذ سنوات لتحقيق شراكة واسعة مع هذا الكيان الكبير لحرصه الشديد على أن يكون الشريك التجاري الأول للفيدرالية المزمع الإعلان عنها خلال سنوات، وعقدت اجتماعات مكثفة خلال العام 2014 بين الاتحاد الافريقي ومجموعة شرق أفريقيا بشأن اتفاقية الشراكة الاقتصادية التي أدت لبعض الانقسامات الداخلية ما دفع عدد من الدول لعدم المصادقة عليها.
وفي حال نجحت دول شرق أفريقيا في الإعلان عن الفيدرالية سيكون عدد سكانها 190 مليون نسمة بمتوسط أعمار 25 عاما وإجمالي ناتج محلي يقدر بأكثر من 300 مليار دولار أمريكي.
وما يجمع الدول الخمس المؤسسة لفيدرالية شرق أفريقيا (أوغندا- رواندا-تنزانيا-بروندي-كينيا) توقيعها على اتفاقية عنتيبي عام 2010، ونجحت مصر خلال السنوات الماضية في إبرام شراكات مع هذه الدول للارتقاء بمستوى التنسيق المشترك ووقعت مصر مع أوغندا في أبريل 2021 اتفاقية لتبادل المعلومات الاستخبارية، بالإضافة لتوقيع بروتوكول عسكري مع بوروندي، فضلا عن علاقاتها المتميزة مع تنزانيا وكينيا والكونغو، بالإضافة للشراكة الاستراتيجية مع دول جنوب السودان التي تعتبر آخر الدول المنضمة لهذه الفيدرالية التي حال تم الإعلان عنها ستحتاج للتحالف مع كيان كبير مثل مصر مما سيؤثر بشكل إيجابي على المصالح المشتركة بين الجانبين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة