جددت الحرب فى أوكرانيا التساؤلات عن الإعلام ومواقع التواصل، وكيف أصبحت طرفا فى الصراعات والحروب والدعاية القائمة للحرب، وهى ليست المرة الأولى التى يتم فيها طرح أسئلة عن دور وتأثير أدوات الإعلام ومواقع التواصل، حيث أصبح موقع فيسبوك فى مرمى انتقادات روسيا بعد اتهامه بأنه يسمح بالتحريض على العنف ضد الروس فى حرب روسيا وأوكرانيا والغرب، وهو ما يعيد مواقع التواصل كطرف فى السياسة، ويجعلها بعيدة عن التوازن والموضوعية، مثلما يجرى مع المنصات الإعلامية، والتى تشهد اتهامات بالانحياز، والمصادرة بين طرفى النزاع.
أصبح فيسبوك طرفا فى الكثير من المناقشات على مدى سنوات، بعد أن احتل مكانة الموقع الأكثر شعبية فى العالم، وبالتالى فإن الجدل حوله لم يظهر اليوم فقط، وقبل شهر وفى فبراير الماضى، هدد مارك زوكربيرج بإغلاق «فيسبوك» وإنستجرام فى أوروبا بسبب اللوائح التى تهدف إلى إعاقة جمع بيانات التطبيقات، ويومها أعلن عدد من مستخدمى أدوات التواصل أنهم يمكن أن يستغنوا عنها، بينما أعلن آخرون أنهم لا يمكن لهم الحياة فى غياب هذه الوسائل التى أصبحت جزءا من الحياة اليومية والاجتماعية، حيث أصبح البشر أكثر قربًا ومتابعة، فضلًا عن أنهم يمارسون حياتهم بشكل فردى وجماعى.
قبل ذلك بعام وفى فبراير 2021 طالب عدد من الناشرين والحكومة فى أستراليا من منصات التواصل الاجتماعى، خاصة «فيسبوك» و«جوجل»، دفع مقابل للمحتوى الذى تنشره من منصات الأخبار، ورفض العملاقان، ثم استجاب «جوجل»، ووافق على التفاوض، لكن «فيسبوك» تمسك بالرفض ومنع نشر الأخبار من المؤسسات والأفراد، مما تسبب فى أزمة واستمرت المعركة حتى انتهت بنوع من التفاوض، وفتحت الباب لانتقادات وجهت إلى «فيسبوك»، بأنه يمارس الاحتكار، ويربح على حساب منصات صناعة الأخبار، والمحتوى، وفتحت الأزمة نقاشا بين ناشرين وإعلاميين فى أوروبا، ودعا بعضهم للبحث عن منصات أخرى وبدائل توقف الاحتكار القائم من مواقع وبوابات.
وكان الاتهام بالانحياز ظهر أثناء السباق بالانتخابات الأمريكية السابقة والأسبق، حيث تبادل الجمهوريون والديمقراطيون اتهام فيسبوك ومنصات التواصل بالانحياز، خاصة بعد أزمة شركة «كامبريدج أناليتيكا» لتحليل البيانات عام 2018، وأنها استخدمت «فيسبوك» لجمع معلومات خاصة، وتم تسليط الضوء على طريقة جمع المعلومات على فيسبوك عموما، واحتمال استخدامها للتأثير على الناس فيما يتعلق بالشراء أو تغيير طريقة تصويتهم فى الانتخابات، حيث حصلت على بيانات نحو 50 مليون مستخدم عن طريق دفعهم لاستخدام تطبيق يتطلب حساب فيسبوك يوفر للشركة إمكانية الوصول إلى البيانات التى جمعها فيسبوك عن مستخدميه.
وفى الانتخابات الأخيرة، أوقف فيسبوك وتويتر حسابات الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، بعد اتهامه بالتحريض على اقتحام الكونجرس، وتلقى الموقع انتقادات من الجمهوريين وأنصار ترامب، وأيضًا من خبراء مستقلين، بعضهم كان مضادًا لترامب، رأوا فى المنع نوعًا من الانحياز، يضع شبهة سياسية فى التصرف، واللافت للنظر أن إعلان فتح باب التحريض على العنف ضد الروس، جدد التذكير بمنع ترامب على نفس الأرضية، وفتح الباب لاتهام ميتا المالكة لفيسبوك بالازدواجية والانحياز، ونوع من التسييس الذى يثير مخاوف التوظيف السياسى للمنصات.
هذا الجدل جدد النقاش حول ازدواجية قسرية من أدوات الإعلام فى الحرب الروسية الأوكرانية، ظهرت فى صفحات التواصل الاجتماعى وقرارات الوقف والمنع للقنوات والمنصات بين الطرفين، مما يجعل المبادئ والشعارات مثل الموضوعية، والتزام الحقيقة مجرد عناوين لا تعنى ما تقوله، وتبقى الحقيقة أولى ضحايا الحرب، وهو ما يدفع للبحث عن مساحات حقيقية فى عالم افتراضى منحاز.
اليوم السابع