لفظ الملك فؤاد أنفاسه الأخيرة فى 28 إبريل 1936، وعقب الوفاة اجتمع مجلس الوزراء برئاسة على ماهر باشا، عشر ساعات متوالية، وأصدر ثلاثة بيانات، الأول، المناداة بفاروق ملكا على مصر، والثانى، ممارسة مجلس الوزراء للسلطات الدستورية للملك لحين تشكيل مجلس وصاية، والثالث، إعلان الحداد ثلاثة أشهر، حسبما تذكر الدكتورة لطيفة سالم فى كتابها «فاروق وسقوط الملكية .. 1936 - 1952».
كانت مسألة تشكيل «مجلس وصاية» لحين بلوغ فاروق سن الرشد «مواليد 11 فبراير 1920»، هى القضية الرئيسية أمام الجميع، وكان المندوب السامى البريطانى فى مصر «مايلز لامبسون» طرفا أساسيا فيها، تذكر «سالم» أن الملك فؤاد منذ أحس بوطأة مرضه عام 1934، أثيرت مسألة «مجلس الوصاية» الذى سيتولى سلطة الملك الجديد لحين بلوغه سن الرشد، وكان «فؤاد» قد أعد للأمر عدته قبل ذلك بسنوات، حيث اختار الأسماء فى 13 إبريل 1922، وسجلها فى وثيقتين، حفظت واحدة فى رئاسة مجلس الوزراء، والأخرى فى الديوان الملكى، ولم تعرف الأسماء، وإنما ترددت أسماء مثل عدلى يكن وتوفيق نسيم ومحمود فخرى بين العالمين ببواطن الأمور، وأثناء مرض فؤاد الأخير وصدور النشرات الطبية التى صورت الحالة الخطيرة للملك، بدأ تحرك توفيق نسيم، فذهب إلى دار المندوب السامى، والتقى بـ«لامبسون»، ثم توجه إلى على ماهر الذى صرح - بدوره لـ«الأهرام» - بأن مسألة «الوصاية» هى من اختصاص الحكومة وحدها.
أيدت السياسة البريطانية تعيين توفيق نسيم رئيسا للوزراء، وتذكر «سالم» أنه فى 27 إبريل 1936 يكتب «لامبسون» إلى حكومته يؤكد هذا الاتجاه، ويبين أن الطريق السليم أن يضطلع رئيس الوزراء بالعمل لحين بدء الدورة البرلمانية حيث يفض المظروف الخاص بمجلس الوصاية»، تضيف سالم: «ركز المندوب السامى على ما تتطلبه المصلحة البريطانية، وأكد لحكومته أنه سيتصرف وفقا للصالح البريطانى فى تعامله مع الوضع الجديد، وأنه تحدث مع على ماهر ونصحه باتباع الأسلوب الدستورى»، تؤكد «سالم»: «كان المندوب السامى حريصا على إبعاد المناوئين للسياسة البريطانية أمثال الأمير عمر طوسون ومحمد طاهر».
بينما كان المندوب السامى البريطانى يتحرك وفقا للمصلحة البريطانية، تذكر «سالم» أن على ماهر طلب من عبدالحميد بدوى رئيس لجنة قضايا الحكومة أن يبحث عن مسألة الوصاية من جميع وجوهها، فرأى «بدوى» أن يشرك زملاءه لوضع الفتوى، واجتمعت اللجنة فى 29 إبريل، مثل هذا اليوم، 1936، واستعرضت نظام الوراثة فى أسرة محمد على، والأمر الملكى فى 12 إبريل 1922 وينص على أن الملك يبلغ سن الرشد إذا اكتمل له من العمر ثمانى عشرة سنة هلالية، معنى هذا أن فاروق سيمكث تحت الوصاية سنة هلالية وثلاثة أشهر وأسبوعين، تضيف «سالم»: «استعرض المستشارون آراء الفقهاء الدستوريين ودستور 1923، ومراسيم 1934، 1935، ورأت أن الأحكام تقضى بأنه عند وفاة الملك تنتقل السلطة التشريعية والتنفيذية إلى مجلس الوزراء يباشرها تحت مسؤوليته حتى يجتمع المجلسان، وفى هذه الحالة يفترض إما أن يكون الملك الجديد رشيدا، فلا يباشر شؤون الملك إلا بعد أن يحلف اليمين أمامها، وإما أن يكون قاصرا وحينئذ يفض المظروف الخاص بالأوصياء أمام البرلمان، فإذا أقرها أقسموا اليمين».
توضح «سالم» أنه ظهرت صعوبة المدة المشترطة لاجتماع المجلسين وهى عشرة أيام، وأن هذا الشرط مستحيل لأن المنتظر أن المجلسين لا يجتمعان إلا قبل مضى شهر، فعاد المستشارون وحاولوا إيجاد مخرج، فبينوا أن هذا الشرط ممكن تجاوزه، ونقل «لامبسون» لحكومته رأى لجنة قضايا الحكومة، واستشف من كلماته تأييده له، وطلب من مستشاره القضائى إبداء وجهة نظره، فاتفق رأيه مع على ماهر وهى تشكيل البرلمان الجديد فى أقصر فترة ممكنة.
اجتمع مجلس الوزراء فى 2 مايو لبحث الموضوع، ولكنه آثر أن ينتظر حتى اجتماع رئيس الوزراء بأعضاء الجبهة الوطنية، وتذكر سالم، أن «لامبسون» مضى فى مساعيه فاستقبل فى 3 مايو 1936 النحاس ومحمد محمود وإسماعيل صدقى كل على حدة، وتحدث معهم فى مسألة الوصاية، وأبدى رغبته فى أن يكون الأوصياء ممن تعزز شخصياتهم روابط الصداقة البريطانية المصرية، واتفق زعماء الجبهة الوطنية مع رئيس الوزراء على الأوصياء، وأن تبلغ أسماؤهم إلى البرلمان فور اجتماع مجلسيه «النواب والشيوخ» عقب الانتخابات خلال العشرة أيام التالية لوفاة الملك فؤاد.
أجريت الانتخابات واجتمع البرلمان يوم 8 مايو 1936 لفض مظروفى الأوصياء، وتذكر «سالم»، أنه وجد نسخة مختومة وأخرى غير مختومة، وشملت الأسماء عدلى يكن (توفى) وتوفيق نسيم ومحمود فخرى، ولم يقرها البرلمان، وأعلن النحاس أن الأحزاب اتفقوا على أن يكون الأوصياء الأمير محمد على، وعزيز عزت وشريف صبرى، وأقرها البرلمان وأدوا اليمين الدستورية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة