على مدى أسابيع منذ إطلاق مبادرة الرئيس السيسى للحوار الوطنى دون استبعاد أو تمييز، تحدث عدد من السياسيين وأعضاء المنظمات المدنية، فى برامج وأحاديث وتصريحات، ركز أغلبهم على أهمية خروج المحتجزين السياسيين ممن لم يمارسوا الإرهاب والعنف أو حرضوا عليه، وبالفعل منذ ما قبل إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسى بدأ خروج أعداد متتالية منهم إلى منازلهم ولا تزال اللجنة تعلن عن قوائم متعددة تتضمن أغلب الأسماء التى وردت وبينهم أسماء معتبرة، أو أسماء لم ترد فى قوائم المطالبة، ومنهم أسماء صدرت عليهم أحكام بالفعل.
وتشير تصريحات أعضاء لجنة العفو إلى أن هناك بالفعل تسهيلا لمهام اللجنة، والإعلان عن قرب خروج أعداد أخرى بعد الانتهاء من إجراءاتهم واستكمالها، وقال طارق الخولى، عضو مجلس النواب ولجنة العفو، للميس الحديدى «نعمل على قدم وساق، كما أن الفحص الخاص بالحالات يستغرق وقتا، للتأكد من عدم انتماء المعفو عنهم لتنظيم إرهابى، والمسألة ليست سهلة فى عملية الفحص، التى تجرى بدقة شديدة»، لافتا إلى وجود معايير عامة تطبق على الجميع بغض النظر عن الأسماء.
وقال طارق العوضى، عضو لجنة العفو «كل مَن لم تتلوث يده بدماء المصريين قد يندرج تحت قائمة العفو الرئاسى»، مشيرا إلى أن اللجنة فحصت 1074 حالة، وتبين انطباق المعايير عليهم، وأن قرار العفو يصدر من جهات قانونية ودستورية.
وبناء على هذه الشواهد، فإن الدولة تقدم خطوات مهمة فى ملف متشابك، لتؤكد ما تم طرحه من البداية، وهو أمر يفترض أن يبنى الثقة، ويمد الجسور نحو حوار ينتظر أن يقدم عليه المتحاورون بانفتاح واستعداد لبناء جسور من الثقة، بعيدا عن الآراء المسبقة، خاصة أن هناك قضايا اقتصادية وسياسية فيها آراء متعددة ووجهات نظر، أو أن الرأى فيها يخضع للتوجه يسارا أو يمينا بما يضعها فى مكان الرأى، وهو أمر مهم لأن الهدف هو إتاحة الفرصة للآراء المتعددة.
وإذا كنا نتناول حرية الرأى والتعبير فإن هناك تيارات واتجاهات تحمل قدرا كبيرا من التطرف أو الدعوة لمصادرة أو مطاردة كل من يختلف معها، وهناك الكثير من الحملات تحمل تحريضا وتصنع لنفسها سلطة من نصوص أو تفسيرات تمثل فى حد ذاتها عدوانا على الحرية، أو تتبنى وجهات نظر طائفية أو عنصرية، ومن المهم أن يكون هناك مجال للاعتراف بخطورة مثل هذه الآراء على المجتمع، لأن دولة مدنية ديمقراطية حديثة، تعنى إتاحة التعدد وضمان حرية الاعتقاد والرأى للجميع.
وعلى سبيل المثال هناك من يفتى بتحريم وضع الأموال فى البنوك وهو نفسه يدعم النصابين والمستريحين، أو من يزعم مساندة الفقراء والتنمية ويدعم وقف الاستثمار والمشروعات الكبرى، ويتجاهل ما تم فى مواجهة العشوائيات أو تنمية الريف فى مبادرة مثل «حياة كريمة»، ويروج لهذا على أنه رأى اقتصادى.
ودائما ما ندعو إلى التعلم من تجربة 12 عاما، لأنها أنتجت خطابا انعزاليا وغيبت قيم الحوار حتى على مواقع التواصل، التى أصبحت تزدحم بدعاة الكراهية والمتعصبين وأنصار الرأى الواحد، وانتزعت القدرة على الحوار.
الشاهد أننا أمام فرصة تحتاج ممن يدعون للتنوع أن يمارسوه ويؤمنوا به فعلا وليس فى الأقوال، وأول خطوة هى اعتبار ما يطرحه تيار أو حزب مجرد وجهة نظر، وليس قرارا أو رأيا منزلا.
ونعود لنذكر أن هناك خطوات تمهد الطريق لبناء الثقة، ومد الجسور، من خلال إجراءات تتعلق بالمحتجزين، وتوسيع دوائر المشاركة، بما يسمح بالتنوع، وأيضا فإن مجرد فتح الباب للحديث وطرح الآراء يمكن أن يبنى سياقات للحوار أوسع وأكثر تعددا.