انتهى أكثر من مليون حاج من مراسم الحج لعام 2022، وودعوا الأماكن المقدسة فى مكة والمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية على أمل العودة مرة أخرى لرحاب أكثر الأماكن قدسية لدى المسلمين حول العالم.
ويرتبط الحج بمشاهد وطقوس حفرت فى الذاكرة الجماعية المصرية، وتأثر بها الفن المصرى، وأضفنا للفن الإسلامى الكثير نتيجة تلك الاحتفالات، التى تمثل أحد المواسم التاريخية صاحبة التراث الفلكلورى والفنون الشعبية المميزة، ويشتهر بها المصريون عبر الزمان، فهناك زفة المحمل قبل إرسال كسوة الكعبة المشرفة فى القدم، من هنا تغنى الأقدمين بأغانى الوداع، ورسموا برسومات الحائط لتوثيق رحلاتهم المقدسة، ومن أشهر الطقوس المصرية الخالصة الخاصة بموسم الحج:
المحمل
بعد الانتهاء من كسوة الكعبة ينطلق بها في موكب كبير من مصر إلى الحجاز يسمى "المحمل"، كانت توضع على جمل يزين بالحرير والفضة، وتتزين الشوارع بالأعلام ويخرج الناس وراء المحمل فى احتفالية كبيرة، تضمن موكب المحمل 20 جملًا تربى في حي بولاق يختار أحسنهم لينال شرف حمل الكسوة.
تخرج الكسوة محمولة على الهودج تتقدمها تشريفة إلى القلعة في ميدان الرميلة، صلاح الدين حاليًا، وتقف وتُضرب لها طلقات المدافع تكريمًا، يكمل الموكب طريقه إلى العباسية، ليتمكن الناس من مشاهدته ولمسه للتبرك، ثم يركب المحمل بناسه وجماله القطار إلى السويس، ومن السويس إلى جدة ومنها إلى مكة، وفي عام 1962 كانت أخر مرة ترسل فيها مصر الكسوة.
زفة الحجاج
تحولت الأهازيج المخصصة للحج التي يخصص لها أوركسترا صغير من الدفوف والربابة والمزمار مع الزغاريد والتصفيق إلى تراث شعبي انتشر في ربوع المحروسة وخصوصًا فى الصعيد، وتنوعت بين أغنيات لتوديع الحجاج من منازلهم، وأخرى لاستقبالهم بعد العودة، وثالثة كان الحجاج يتسلون بها في طريق الرحلة الشاق.
أنشد أغنيات الحج بعض المتبرعين من المعارف حسني الصوت أو مغني خاص يأتي مع الربابة للغناء في المنزل، بعضها حكى مناسك الحج بطريقة مبسطة، وأخرى مدحت النبي، أو دعت لعودة الحاج سالمًا، ودعت أيضًا لمن لم يؤدِ الفريضة بأن يفوز بها لاحقًا، ومنها: "بعيدة يا بلاد الرسول، بعيد يا طريق النبي"، و"رايحة فين يا حاجة يا أم الشال قطيفة".
الوداع بالتحنين
يطلق عليها فى الجنوب "التحنين" والتى عرفت قديما لمديح رحلة العبور لدى المصريين، وتوراثتها الأجيال تباعًا، تغيرت الكلمات وبقيت حالة الشجن التى تميزها.
ووفقا لتصريحات سابقة للباحث فى التراث الشعبى، محمد شحاتة العمدة، يعرف تلك الأغانى قائلاً: هى تلك الأغانى المنغمة ذات الإيقاع الهادئ والتى يغنيها النساء فى وقت توديع الحجاج أو وقت عودتهم أو أثناء غيابهم فى رحلة الحج، ويعبر ذلك الغناء عن الشوق والحنين لزيارة الأراضى المقدسة ووصف مناسك الحج ووسيلة المواصلات التى يستقلها الحاج والصعوبات التى تواجهه أثناء الرحلة، ووصف لحال أهله وشوقهم له أثناء غيابه.
وتابع "شحاتة" وسمى ذلك النوع من الغناء بالتحنين لأن الناس يقولون للمسافر لرحلة الحاج "حج مبرور وذنب مغفور، والله يحنن عليك" لأن الرحلة فى الماضى كانت شاقة جدًا ويمر الحاج بصعوبات كثيرة من تقلبات جوية "درجة حرارة مرتفعة أو منخفضة" أو قلة الزاد أو الازدحام الذى يزداد أثناء أداء المناسك، فيحتاج الحاج لمن يأخذ بيده فى تلك المواقف ولأن الجميع منشغلون بنفس الموقف فلا سبيل للمساعدة إلا من الله سبحانه وتعالى، وسميت أيضًا تحنين لما بها من حنين لزيارة الأراضى المقدسة وحنين للمسافر من أهله انتظارًا لعودته، وحنين منه لأهله أيضًا أثناء الرحلة التى كانت تستغرق شهورًا كما ذكرنا من قبل.
جداريات الحج
منذ نهايات القرن الـ19، كانت جداريات الحج سجلًا بصريًا وطقسًا مصريًا لاستقبال الحجاج العائدين في الريف والأحياء الشعبية، رسومات بسيطة تعبر عن إحساس فطري توضح مناسك الحج، عناصرها غالبًا الكعبة مع وسيلة السفر سواء الجمل أو الباخرة ثم الطائرة، وصورة للحاج يدعو مع عبارات، مثل: "حج مبرور وذنب مغفور".
فى كتاب "رسومات الحج: فن التعبير الشعبي المصري عن الرحلة المقدسة"، رصد أفون نيل والمصورة آلن باركر جماليات هذا الطقس الذي خلد رحلة الحج في محاكاة لنزعة المصري القديم في الرسم على جداران المعابد وطافوا بالقرى والنجوع لتوثيق هذه الرسومات التي رسمها فنانون محليون من نقاشين تخصصوا في طلاء المنازل، ورسامي الإعلانات التجارية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة