لا حديث فى العالم بعيدًا عما يدور من أزمة اقتصادية عالمية، انعكاسًا للحرب وتأثيراتها الظاهرة على الاقتصاد والأسعار والطاقة، خاصة أن الحرب جاءت قبل أن يتعافى العالم من تأثيرات كورونا التى استمرت عامين، وفرضت إغلاقًا وتغييرًا فى سياقات النقل وسلاسل النقل والغذاء، ولا بديل أمام الدول عن إعادة التفكير فى قدراتها وتوجهاتها الاقتصادية، والبحث عن أفضل طرق الترشيد والتوفير، فضلًا عن توسيع دعم المسارات الاقتصادية الذاتية وخفض الاعتماد على الاستيراد مقابل دعم الإنتاج المحلى بكل صوره.
العالم أمام أزمة عالمية غير مسبوقة لا تصلح معها القوالب الجاهزة، والآراء المنقولة، والقلق مشروع ما دام ظل ضمن نقاش يتضمن آراء وتحليلات ومحاولة فهم تمكن من استشعار الأبعاد المتعددة، وبالطبع لسنا بعيدين عن تلك الأزمة، ومن الإنصاف قراءة التعامل المحلى مقارنة بما يجرى فى العالم، وسوابق التعامل مع جائحة كورونا بسياسات مرنة، وصيغة متوازنة مع إجراءات اجتماعية تسعى لتخفيف وقع الأزمة على الفئات الأضعف، والأمل فى تخطى أزمة تترك آثارها القاسية على سائر الاقتصادات، الكبير منها والصغير، والنامى والناشئ.
نحن أمام أزمة ترهق الطبقات الوسطى والأقل فى العالم كله، وتثير نقاشًا وجدلًا وأسئلة، وتدفع الحكومات لاتخاذ إجراءات للمواجهة والعلاج، وهى إجراءات بالطبع تسعى لتقليل وقعها وتخطيها، انتظارًا للعودة إلى الوضع الطبيعى بنهاية الحرب أو ظهور خطوات من شأنها أن تنهى الاستقطاب والتوتر، وتعيد الأسواق إلى ما كانت عليه قبل كورونا، وقبل الحرب، وإن كانت التوقعات كلها تبدو عاجزة عن تحديد توقيتات لهذه النهايات أو الحلول، وحتى الوصول لهذا ليس هناك سوى جدولة الموازنات، والاستمرار فى إدارة الأنشطة، مع وضع أولويات، لضمان توفير السلع، والإبقاء عليها فى السعر الأقرب والأنسب.
ومن البداية قلنا إن التعامل بإنصاف وتوازن، لا يعنى التجاهل أو التهوين، بل محاولة للفهم واستمرار حيوية ومرونة التعامل بناءً على قراءة لما يجرى، والهدف ليس التبرير أو التهوين، لكنه الفهم، والتأكيد على أن الرأى العام، بتنوعه، لديه القدرة على المعرفة، ولا أحد يمكنه الادعاء بأنه يتحدث باسم الرأى العام، والذى ليس هو المتفائل أو المتشائم، لكنه القادر على التلقى والتعاطى وطرح الأسئلة والبحث عن إجابات، والمقارنة بالخارج والداخل، بهدف الفهم لإثارة الفزع والخوف، أو نشر الإحباط فى التعامل مع أزمة تطل برأسها فى كل دول العالم، يصعب إخفاؤها أو تجاهلها، ويمكن التعامل معها ضمن إدارة الأزمات بطرق متعددة، ثم إن تقييم أى قرارات اقتصادية ومالية وبنكية فى زمنها وبعد مرور الوقت الكافى للتقييم، وليس فورًا، لأن أى سياسات تظهر نتائجها بعد فترة، وهذا التقييم بناءً على تأثيرات القرارات على توفير دعم مستلزمات الإنتاج الضرورية، أو التصدير، ودعم الصناعات أو المنتجات المهمة للتصدير أو السوق المحلى، مع تفضيل الضرورات، وتقليل الرفاهيات أو السلع التى لا تمثل أهمية قصوى، ويعنى دعم القطاعات المنتجة استمرار دوران الصناعة والإنتاج، وفرص العمل.
وفى مواجهة ارتفاعات الأسعار وبجانب ضمان توفير القمح والسلع والخبز، يأتى دور أجهزة الرقابة والتموين لمتابعة تنفيذ القرارات وضمان سعر عادل يوقف فوضى رفع الأسعار، أو الاحتكار، لضمان الأسعار العادلة للسلع، بجانب توسيع دوائر الحماية الاجتماعية، ودور المجتمع الأهلى ممثلًا فى التحالف الوطنى الأهلى، والمحافظة على سعر الوقود والطاقة بشكل يخفف من تأثيرات الأزمة، واستمرار دعم الوقود بشكل يضبط أسعار النقل والإنتاج، حتى يمكن المحافظة على توازن السوق والأسعار، والاعتماد على الذات، بعيدًا عن أى تهوين أو تهويل.