بيشوى رمزى

أزمات الديمقراطية العالمية (1).. مفهوم "الأغلبية" والحاجة إلى "الشراكة"

الأربعاء، 18 يناير 2023 03:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مع التغيير الكبير في المشهد العالمي، سواء فيما يتعلق بمواقع القيادة الدولية، أو طبيعة الأزمات التي تضرب العالم، في المرحلة الراهنة، تبدو تغيرات عميقة، قد طرأت على المفاهيم التي سادت المجتمع الدولي، في اللحظة الراهنة، وهو ما يبدو في مفهوم الديمقراطية، والذي يحمل في طياته العديد من الجوانب، والتي تمثل "بنيته الأساسية"، على غرار الأحزاب السياسية، والتي فقدت جزء كبير من شعبيتها، وكذلك تداول السلطة، والتي باتت تشهد حالة من الخشونة السياسية، ربما بدا آخرها في اقتحام المؤسسات الدستورية في البرازيل احتجاجا على تنصيب الرئيس الجديد لولا دي سيلفا، وهو المشهد الذي يمثل تكرارا لاقتحام الكونجرس، في الولايات المتحدة، والتي تعد المعقل الرئيسي للديمقراطية في العالم، قبل عامين، تزامنا مع الإعلان عن جو بايدن، كرئيس لأمريكا خلفا لدونالد ترامب، وهو ما يمثل انعكاسا لامتداد الحالة الجديدة، بين الدول، باختلاف مناطقها الجغرافية، وخبراتها وممارساتها في هذا الإطار.

 
ولعل التغيير الكبير في مشهد الديمقراطية العالمية، لم يقتصر في نطاقه على شعبية الأحزاب السياسية، أو مقدار القبول الشعبي بما تؤول إليه نتائج الانتخابات، والتي ترتبط بعملية التصويت، وإنما تمتد إلى طبيعة الدور الذي تقوم بها أطراف المعادلة، التي يبنى عليها المفهوم، بين "الأغلبية" التي من المفترض أن تتولى زمام الأمور من جانب، و"الأقلية" التي من شأنها القيام بدور المعارضة السياسية، من جانب آخر، في ظل حالة من الانقسام المجتمعي فى الكثير من دول العالم، والعجز عن مجابهة الأزمات القائمة بالفعل، وهو ما يعكس، ليس فقط الاحتجاجات والفوضى التي باتت تسود المجتمعات، وإنما أيضا نتائج الاستطلاعات التي تتلو الانتخابات في دولة ما، والتي تشهد تدنيا في شعبية رئيس فائز بالانتخابات منذ أسابيع معدودة، جراء غياب القدرة السريعة على تقديم حلول جذرية للأوضاع الطارئة التي تشهدها بلادهم، مما يعني تغييرا يبدو سريعا في المزاج الشعبي العام، تجاه النظام الحاكم.
 
وهنا يبدو ارتباطا وطيدا بين تعزيز الديمقراطية ومفاهيمها، من جانب، وحالة الاستقرار المجتمعي، والقدرة على مجابهة الأزمات في الداخل، من جانب آخر، وهو ما بات مرتبطا بالوضع الدولي في صورته الكلية من جانب ثالث، في ضوء الانتشار السريع للأزمات المستحدثة من منطقة لأخرى، وهو ما يبدو في المشاهد المتفرقة في العديد من دول العالم، والتي حملت في بعضها "حنينا" شعبويا للديكتاتورية، في ظل نجاح أنظمة، بفضل "قبضتها" الحاكمة، في تجاوز أزمات، عجزت القوى الكبرى عن التعامل معها، رغم ما تملكه من إمكانات كبيرة، ناهيك عن حالتها الديمقراطية المتقدمة، على غرار الصين، والتي تمكنت من تحقيق طفرة كبيرة في التعامل مع أزمة كورونا في زمن قياسي، على عكس قوى دولية أخرى تتسلح بالتكنولوجيا والاقتصاد.
 
حالة التغيير الكبير التي تشهدها المجتمعات، جراء الأزمات المستحدثة، ساهمت في تعزيز الحاجة إلى تقديم رؤية جديدة حول مفهوم الديمقراطية السائد، عبر تحويل العلاقة بين السلطة والمعارضة من التنافر المطلق، نحو قدر من التكامل، مع حالة الانقسام المجتمعي، الممتد إلى كافة مناطق العالم، والتي تحولت من النطاق البينى، في إطار الأحزاب القائمة داخل الدولة الواحدة، إلى داخل الأحزاب الضيقة، وهو ما يبدو، على سبيل المثال، في مشهد اختيار رئيس مجلس النواب الأمريكي الجديد كيفن مكارثي، والذي فشل في الحصول على الأغلبية المطلوبة لتولي منصبه لأكثر من 10 جولات كاملة، لأول مرة منذ قرن من الزمان، رغم حصول حزبه على الأغلبية البرلمانية، في انعكاس للانقسام داخل الحزب الجمهوري، وهو ما يعكس حقيقة مفادها تراجع العلاقة، ولو جزئيا، بين ما تؤول إليه العملية الانتخابية، في دولة ما، وتمكين الفئة الفائزة، والقدرة على تحقيق الاستقرار.
 
تلك الحالة المستحدثة تمثل امتدادا صريحا لتراجع دور الأحزاب ونفوذها السياسي، والتي عبرت عنها حالات دولية سابقة، على غرار انتصار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرئاسة لأول مرة في عام 2017، من رحم حزب "الجمهورية إلى الأمام" والذي تأسس قبل الانتخابات الرئاسية آنذاك بأقل من عام واحد، بالإضافة إلى وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2016، رغم ما يمثله من حالة استثنائية، في إطار مواقفه التي حملت، في جزء كبير منها، تعارضا مع مواقف الحزب الذي يمثله.
 
وبالتالي تبقى العلاقة بين الأغلبية والأقلية، أو بالأحرى بين السلطة والمعارضة، في حاجة إلى "إعادة هيكلة" عالمية، في المرحلة الراهنة، خاصة وأن السيطرة على مقاليد الأمور من قبل فئة بعينها، حتى وإن كان ذلك لفترة زمنية محددة، بفضل حصولها على غالبية الأصوات، خلال العملية الانتخابية، بات يدفع الامور نحو عدم الاستقرار، مع حالة "السباق مع الزمن"، التي يشهدها العالم، في مكافحة الأزمات الراهنة، مع ابتعاد الطرف أو الأطراف الخاسرة، والتي باتت تمتلك القدرة على الحشد، عن الدوائر الفعلية في عملية صناعة القرار، وهو ما يمثل خطرا حقيقيا على المجتمعات، على غرار دعوات الاحتجاج والإضراب، والتي تؤججها المعارضة السياسية في أوروبا الغربية، على سبيل المثال، وهو ما يستدعي تحقيق قدرا من الاندماج على أساس توافقي، لا يقتصر على الجوانب الحزبية التقليدية، وإنما ينبغي ان يكون ممتدا لكافة أطياف المجتمع، ليصبح الجميع شريكا في عملية رسم المستقبل، والتخطيط لتجاوز الأزمات الحالية.
 
والحديث عن الإطار التوافقي، ربما يتجلى بوضوح في الحاجة إلى ممارسة حوار حقيقي وشامل بين السلطة الحاكمة والمعارضة، في كافة دول العالم، من شأنه الوصول إلى أرضية مشتركة، ويقدم ضمانات لشراكة حقيقية في عملية صناعة القرار، لا تقتصر على الجانب الحزبي وإنما تمتد إلى كافة الفئات المجتمعية، على غرار "الحوار الوطني"، الذي دشنته مصر، والذي يجمع كافة أطراف المعادلة السياسية والمجتمعية في الداخل، في عملية اندماج غير مسبوقة بين الحكومة والأحزاب بمختلف توجهاتها، والقوى المجتمعية الفاعلة، كالشباب والمرأة ومنظمات المجتمع المدني، وغيرها، للوصول إلى أرضية مشتركة، من شأنها صياغة مستقبل البلاد في ظل الأزمات الراهنة، وهو ما يمثل رؤية تحمل خبرات كبيرة، جراء ما شهدته المنطقة، في العقد الماضي، نتيجة سياسات التهميش الكلي، سواء للمعارضة السياسية أو لفئات مجتمعية بعينها، مما أكسبها حالة من التعاطف الشعبي، ومنحها القدرة على الحشد، لتضع الدول عبر دعواتها غير المسؤولة، تحت "نير" الفوضى والإرهاب والانهيار الاقتصادي، وهي الأوضاع التي مازالت تداعياتها قائمة حتى الآن، في بعض الدول بالمنطقة، لتتجلى الرؤية المصرية في ضرورة تحقيق التوازن المفقود بين أطراف المعادلة السياسية والمجتمعية تحت مظلة شاملة من الحوار.
 
وهنا يمكننا القول بأن القدرة على تحقيق "الشراكة" أصبحت بمثابة البديل "الشرعي" لمفهوم الأغلبية بصورته التقليدية، بل وربما تتحول إلى أداة الحصول على الشرعية، في إطار تكاملي مع ما تؤول إليه نتائج الصناديق الانتخابية، وهو ما يرتبط، في طياته بالتوافق بين القوى الفاعلة في عملية اتخاذ القرار، عبر حوار جدي، يمثل الطريق الوسط، بين الاستئثار الكلي بالسلطة، من قبل السلطة الحاكمة، بفضل حصولها على أغلبية ولو بسيطة، من جانب، والتهميش المطلق للمعارضة، من جانب أخر، وهو ما يساهم في حالة من "الذوبان" السياسي والمجتمعي، تتلاشى أمامه الخلافات الأيديولوجية والسياسية حول تلك النظريات العميقة، التي انغمس العالم في مناقشتها لعقود طويلة من الزمن، والتحول نحو تقديم حلول حقيقية وفعالة من شأنها المساهمة في معالجة الأزمات الراهنة ودحض المخاطر المتنوعة التي تواجه المجتمعات، والتي تتراوح بين الفوضى الأمنية والانهيار الاقتصادي، وحتى الانشقاق المجتمعي.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة