بيشوى رمزى

"فزاعة" نتنياهو.. ومحاولة استعارة "القناع المفقود"

الخميس، 12 يناير 2023 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
في الوقت الذي تواجه فيه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الكثير من الضغوط في الداخل والخارج، جراء مواقف حكومته المتشددة، والتي تتراوح عناصرها، في إطار التحالف الذي شكله بين تيارات اليمين واليمين المتطرف، والتي يراها كافة المتابعين بمثابة تقويضا صريحا لـ"حل الدولتين"، وهو ما بدا بصورة كبيرة في الموقف غير المسؤول لوزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير، باقتحام المسجد الأقصى، في مشهد يبدو استفزازيا ليس فقط للفلسطينيين، وإنما للعالم بأسره، وفي القلب منه حلفاء إسرائيل التي طالما دافعوا عنها في العديد من المحافل الدولية، منذ عقود طويلة من الزمن، وهو ما يبدو في الإدانات المتواترة التي تلته، من كافة المعاقل الدبلوماسية، سواء العربية أو الدولية.
 
ولعل توقيت التحرك الاستفزازى الإسرائيلي، الذي قاده مسؤول حكومي، في مستهل حقبة نتنياهو يمثل مؤشرا مهما لطبيعة الحكومة الجديدة، والتي تميل بقوة نحو التصعيد، وليس التوجه نحو الحل وإنهاء الصراع طويل الأمد، وهو ما يساهم في تجريد الدولة العبرية، من حالة التعاطف الدولي، والتي طالما استخدمتها في حشد القوى الدولية إلى صفها، في ظل تحركات عربية وفلسطينية، تبدو مؤثرة خلال السنوات الماضية، ربما أبرزها النجاح منقطع النظير للعرب، سواء فرديا، في إطار الجهود التي تبذلها الدول، وعلى رأسها مصر، لتحقيق وحدة الصف الفلسطيني، أو جماعيا، عبر الجامعة العربية، والتي شهدت قمتها الأخيرة في الجزائر حراكا كبيرا نحو "لم الشمل"، خاصة فيما يتعلق بتوحيد الفصائل الفلسطينية، من قبل الدولة المضيفة، في استعادة مكانة القضية، كأولوية على الأجندة العربية، بعدما توارت، ولو جزئيا، خلال العقد الماضي، على خلفية أحداث الفوضى التي ضربت قطاعا كبيرا من دول المنطقة، إثر ما يسمى بـ"الربيع العربي"، وما نجم عنه من تهديدات حقيقية لأمن الدول بسبب تفشي التنظيمات الإرهابية، وتصاعد تهديداتها بصورة كبيرة.
 
بينما تحرك الفلسطينيون أنفسهم، نحو اتخاذ خطوات كبيرة، للحصول على اعترافات دولية مهمة، حول أحقيتهم بـ"دولة" مستقلة، عبر طلب الحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة، ناهيك عن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، للحصول على فتوى حول ماهية الاحتلال، وهو ما أقرته المنظمة الدولية الأكبر في العالم، وهو ما يمثل خطوة كبيرة، تضع عبئا أخلاقيا على كاهل الحكومة الإسرائيلية، وإن كان قرار المحكمة غير ملزما، بالإضافة إلى القرار الأممي للاحتفال بإحياء ذكرى "النكبة"، والذى سيتم تنظيمه لأول مرة في شهر مايو من هذا العام، وهي الخطوات التي تمثل في مجملها اختراقات مهمة للفلسطينيين على صعيد القضية.
 
وهنا يبدو "المزاج" الدولي العام، متغيرا في الفترة الحالية، تجاه القضية الفلسطينية، في انعكاس صريح لحالة أعم، تشير إلى تراجع حالة التعاطف، الذي طالما استثمرته إسرائيل لصالحها لعقود، عبر الترويج لنفسها باعتبارها الدولة "المضطهدة" من قبل جيرانها العرب تارة، أو الحديث المتواتر عن المحارق التي نصبها هتلر لليهود، لابتزاز الغرب الأوروبي وكسب المزيد من التأييد تارة أخرى، ليثور التساؤل حول ماهية الأدوات التي يحملها نتنياهو في جعبته لتخفيف الضغوط المتزايدة، التي تواجهها حكومته في اللحظة الراهنة، خاصة في ظل ميولها التي تبدو أكثر تطرفا، وهو ما يبدو في مشهد اقتحام المسجد الأقصى بقيادة وزير في حكومته.
 
في الواقع، يبدو المشهد الاستفزازى مقصودا إلى حد كبير، في ظل العديد من المعطيات أبرزها تحويل وجهة الابتزاز الإسرائيلي للعالم، من خلال تقديم صورة لرئيس الوزراء، باعتباره الطرف الأكثر "اعتدالا"، في الحكومة، وهو ما يساهم إضفاء قدرا من الشرعية الدولية لشخصه، بعيدا عن التحالف الحاكم، خاصة بعد تأكيده على الالتزام بالوضع القائم في القدس، وهو الأمر الذي من شأنه تخفيف الضغوط الدولية، وتقويض الانتصارات التي تحققها فلسطين ومن ورائها العرب، على المسار الدبلوماسي.
 
النهج نفسه، ينطبق على رؤية نتنياهو في الداخل، حيث يسعى لتهدئة وتيرة المعارضة، التي يقودها رئيس الوزراء السابق يائير لابيد، والذي انتقد مشهد الاقتحام المشين، معتبرا إياه "مقامرة" تعكس "انعدام المسؤولية السياسية" لوزير في الحكومة، وهو ما يبدو مؤخرا في دعوة تبناها عضو بالكنيست، يدعى تسفيكا فوغل، وينتمي لحزب "القوة اليهودية" وهو أحد أحزاب الائتلاف الحاكم، لاعتقال لابيد، ورموز المعارضة، ردا على دعوة بالعصيان المدني احتجاجا على سياسات الحكومة الجديدة، وهو ما يعكس حالة من التشدد، ربما تمثل تيار الحكومة، ولكنها تبدو بعيدة عن رئيس الوزراء وحزبه، وهو ما يضفي قدرا من الاعتدال على شخصه في مواجهة الرأي العام الداخلي.
 
تكتيك نتنياهو يبدو معتمدا على استخدام شركاءه في الائتلاف الحاكم، من ذوي الخلفية المتطرفة كـ"فزاعة"، بهدف تقديم نفسه في صورة الأكثر اعتدالا، سواء في الداخل أو الخارج، وهو ما يضفي قدرا من الشرعية على بقاءه، ناهيك عن استقطاب جزء من التعاطف المفقود، بهدف تخفيف الضغوط الواقعة عليه، في المرحلة الراهنة.
 
وهنا يمكننا القول بأن ثمة مآزق تعانيها الحكومة الإسرائيلية الجديدة، يسعى نتنياهو لتجاوزها، عبر التضحية بشركاءه سواء على المستوى الدولي أو الداخلي، عبر استعارة "قناع" الاعتدال المفقود، بينما تبقى "الكرة" في ملعب الفلسطينيين في اللحظة الراهنة، حيث يقع عليهم استثمارها لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في مواجهة الاحتلال، عبر التوحد وإنهاء حالة الانقسام، حتى يمكنهم كسب أكبر قدر من الدعم الدولي، في ظل تضافر عربي، حول قضيتهم، وتغيير كبير في المشهد العالمي برمته.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة