شاب مبتسم هادئ دخل علىَّ، وقال لى: «أنا خريج إعلام، وعاوز أشتغل، وما عنديش واسطة».. قلت له: «مش محتاجين واسطة، محتاجين شغل»، طرح فكرة، وقلت له أنتظرك بعد أسبوع، عاد بعد أربعة أيام بنفس الابتسامة، وقدم «الشغل»، موضوعات - شكلا وموضوعا - مكتملة، لم يقل علام إنه متفوق، صحفى موهوب محترف ومهنى وبيكتب حلو وبيفكر حلو، وظلت ابتسامته عنوانا له فى كل الأحوال، خمسة عشر عاما، لم تفارقه ابتسامته ولا خفة دمه، وهو أمر اتفق عليه كل من تعامل مع علام، وارتبط معه بذكريات، ظهرت فى حجم وشكل الصدمة التى واجهت كل من عرفه بعد إعلان خبر وفاته.
خمسة عشر عامًا، تنقل علام عبدالغفار خلالها داخل «اليوم السابع» بين المواقع الصحفية وتولى مهاما كبيرة، ووصل لرئاسة قسم المحافظات بنفس التنظيم والكفاءة، مدير موهوب وكفء ولا تفارقه ابتسامته، فى كل مكان عمل فيه أو مهمة تولاها أنجزها بكفاءة وعلى وجهه نفس الطيبة الابتسامة.
صحيح أن العلاقة بيننا فى «اليوم السابع» أسرية فيها الكثير من الذكريات و«العيش والملح»، لكن علام ظل معى ومع كثيرين بمثابة ابن أو أخ من جهة المشاعر والود، ولا أتذكر أننى عاتبته يوما، وإذا حدث يتعامل بمثل ابن، بجانب إخلاصه فيما يتعلق بالعمل، فقد كان سندا وقويا فى تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات، والتنظيم دون أن تفارقه الابتسامة، مرات كثيرة كان ينبه مقصرا فى العمل، ثم يأتى هو نفسه ليطالب بمسامحة من أغضبه أو قصر فى أداء مهمته، ويفعل كل هذا بابتسامة وإخلاص وحب، ولهذا فإن كل من فى «اليوم السابع»، وكل الزملاء فى المحافظات بكوه كأخ لهم، ارتبط معهم بذكريات تتجاوز العمل إلى متابعة كل شؤونهم.
خمسة عشر عاما نسج علاقة مع كل زملائنا بـ«اليوم السابع»، من جيله والأجيال السابقة، وتحول إلى فاكهة المكان، بجانب كفاءته وإخلاصه ومهنيته، مع قدرته على التقييم وإنجاز العمل بسرعة وكفاءة وإخلاص، «علام» خلال رحلته - القصيرة فى الحياة، الطويلة فى العمل - حافظ على هدوئه وابتسامته، ابتسامة لها معانيها، فإذا غضب تتخذ ابتسامته أشكالا مع الفرح والحزن والهم والتعب، وجه الطفل لم يفارقه طوال رحلته، وبجانب خفة دم وإفيهات وألقاب يطلقها تحمل فكاهة بلا إساءة، وهو ما جعله نموذجا إنسانيا ومهنيا لافتا.
خلف ابتسامته كان يحمل هموم أسرته الصغيرة، وأيضا أهل قريته الذين كانوا يعتمدون عليه فى إنجاز الكثير من المهام وتخليص قرارات علاج أو مساعدات أو خدمات متنوعة، حتى وهو فى المستشفى مريض، لم يتأخر عن متابعة هموم كل من يطلب منه خدمة أو طلبا إنسانيا.
كل هذا ظهر فى شكل وحجم وأعداد لأهل قريته الطيبة عزبة زكريا، بقرية دفنو، مركز إطسا بالفيوم، الذين خرجوا لوداعه وبكوه كابن وأخ لهم، ولكل منهم ذكرى معه ومع جدعنته واخلاصه، فقد ظل حتى آخر لحظاته يهتم بهم ويلبى طلباتهم، ويخفى عنهم مرضه.
على مدار عمره القصير وذكراه الكبيرة، واجه الكثير من المحن، وكان على قدر المسؤولية، ومحل عشم أهله وأهل قريته فيه، وأتذكر أنه فى مرة صدر عليه حكم شديد فى قضية نشر، وهو فى العشرين من عمره، ظل يتمسك بابتسامته، وقلت له: «أنت بتضحك يا علامو؟»، ليرد مبتسما: «كل اللى يجيبه ربنا كويس»، انتهت المحنة بحكم نهائى ببراءته، وظللت أناديه «علامو» فيرد بكلمة كأنه يغنيها، ويخفى كل الحمول فى قلبه، كأنه كان «ابن موت».
رحل علام عبدالغفار، رحل تاركا ذكريات فى كل مكان بـ«اليوم السابع»، وفى قلب كل زميل له داخل وخارج المؤسسة، وطوال خمسة عشر عاما ظل الموهوب المخلص الجدع، المبتسم، وإذا كانت للكاريزما أشكال، فقد كانت لعلام كاريزما الرجل الطيب الذى لا تفارقه ابتسامته، والذى يثبت أن الطيبة والود، لا يتعارضان مع الإخلاص والموهبة والعمل وضحكة بملء الدنيا، رحل تاركا ابتسامته فى كل مكان وذكريات لا تنتهى تجعل سيرته أطول من عمره القصير، فسلام لروحك يا «علامو».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة